-1-
آثار الحرب في أوكرانيا تتجاوز الحدود الأوكرانية، وتمتد إلى العالم بأسره، وستنتج عنها نتائج كبيرة وواسعة على الوضع الدولي برمته سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والشعب الكردي وقضيته جزء من هذا العالم الذي ستلقي هذه الحرب بظلالها عليه.
تركيا هي إحدى الدول التي تعمل من أجل الاستفادة القصوى من نتائج هذه الحرب وآثارها، لقد أعلنت أنها إحدى دول حلف الأطلسي، بمعنى أنها ستلتزم بقراراته في إشارة إلى قيامها بإرسال عدد من الطائرات المسيرة من طراز /بيرقدار/ إلى الأوكرانيين، وإشارة إلى شبه جزيرة القرم التي تعتبرها تركيا جزءاً من الممتلكات العثمانية باعتبار أن غالبية سكانها من التتار، ولكنها مع ذلك لم تقم بإزعاج روسيا وبتخريب علاقاتها مع روسيا، ولم تقاطع نفطها وغازها، وطمأنت القيادة الروسية بأنها لن تذهب أكثر من ذلك وأبعد مما ذكر، لأن تركيا تعرف حاجتها الماسة في عدم إزعاج روسيا والاصطدام مع مواقفها بالنظر إلى مصالحها الاقتصادية الضخمة مع روسيا وبخاصة فيما يتعلق بالموقف التركي من الكرد في سوريا وعموم الكرد، وحتى بالوضع في أذربيجان والجمهوريات السوفيتية السابقة الناطقة بالتركية، وغيرها من الملفات الدولية الساخنة كالصراع في شرق المتوسط وفي ليبيا وغيرها.
إنها سياسة اللعب على التناقضات، وإمكانية الاستفادة القصوى منها، إنها سياسة براغماتية تجيدها القيادة التركية، ومن أجل ذلك أجرت العديد من الاتصالات مع النظام السوري وغيره من القوى في المنطقة، استغلت تركيا هذا الظرف الناشب لتنفيذ سياساتها وتحقيق أهدافها، فشنت قصفاً شديداً بالأسلحة الثقيلة على مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية مثل تل تمر وزركان وكري سبي وكوباني، إضافة إلى أعمال الاغتيالات بالطائرات المسيرة في قامشلو وغيرها، ووزعت التهديدات بأنها ستجتاح مناطق الإدارة الذاتية، ولازالت أعمال القصف مستمرة دون صدور أية احتجاجات من التحالف الدولي أو من الجانب الروسي، وفي الوقت نفسه شنت تركيا هجوماً واسعاً على أراضي إقليم كردستان العراق بمختلف صنوف الأسلحة في مناطق الزاب ومتينا وآفاشين وشنكال، ولازالت الحملة مستمرة ولكن في ظل صمت دولي وإقليمي ومحلي واسع، أي أن تركيا تجني الآن نتائج موقفها من الحرب الأوكرانية، وليست تركيا هي الوحيدة التي تستغل هذا الظرف لضرب الشعب الكردي، وإنما إيران والنظام السوري يمارسان نفس السياسة، وحتى الحكومة العراقية تسير في نفس الاتجاه، وما بناء الجدار الأسمنتي بين شنكال وروج آفاي كردستان إلا جزءاً من هذه السياسة.
-2-
إن ما ذكر أعلاه لا يعني على أن تركيا أردوغان ستخرج منتصرة أو مستفيدة من سياساتها هذه، لأن سياسة اللعب على التناقضات ليست مفيدة دائماً، قد تفيد في موقف أو آخر، ولكن ليس على طول الخط، فأطراف الصراع الأساسيين – وهم ليسوا ضعفاء – يعرفون هذه الألاعيب جيداً من جهة ولن يسمحوا باستمرار الضحك على الذقون من جهة أخرى، أي أن كلاً من الغرب وروسيا يعرفان حقيقة الموقف التركي جيداً، ويعرفان كيف يردا في الوقت المناسب، هذا أولاً وثانياً سيكون للوضع الداخلي في تركيا أثره الأكبر، ثم هناك موقف الشعب الكردي، وكذلك الموقف الدولي العام.
في الداخل التركي يتنامى عدم الرضا عن سياسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية، فسياسته في شرق المتوسط قد فشلت، ويعود أردوغان صاغراً للاعتذار عن سياساته تجاه مصر والسعودية والإمارات، وتتعثر سياسته في ليبيا، كما أن الوضع الاقتصادي في تركيا يزداد سوءاً، وتزداد عزلة تركيا الدولية بالرغم من إمكانياتها وقواتها العسكرية الضخمة وموقعها المتميز على الخارطة الدولية.
يتميز الوضع الدولي والسياسة الدولية الآن بعدم الثبات، وهو عرضة للمتغيرات أكثر من أي وقت مضى، إنه أمام ظهور تكتلات دولية جديدة، وتحالفات جديدة ومصالح جديدة، وستشمل هذه المتغيرات تركيا وغيرها من الأنظمة الغاصبة لكردستان، ثم هناك قوة الشعب الكردي التي تتنامى بالرغم من الثغرات العديدة في البيت الكردي، وبالرغم من العديد من المؤامرات التي تحاك ضده.
إن هجمات تركيا هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكن الثابت هو أن جميع هذه المؤامرات والاعتداءات لن تفلح في القضاء على المقاومة الباسلة لحركة الشعب الكردي، إذ بالرغم من الحرب الشاملة ضد الشعب الكردي فقد أثبتت تطورات الأوضاع وتجربة عشرات السنين، بل والتجربة التاريخية بأن هذه المسألة لن تحل عسكرياً، لقد ثبت بطلان الحل العسكري، وأن الحل الحقيقي هو الحل السياسي عبر الحوار والمفاوضات بين الأطراف المعنية، بل أن الحوار هو لغة العصر الحقيقية.
-3-
لقد طالب حزبنا في آخر بيان له بخصوص الاعتداءات التركية على روج آفاي كردستان وباشور كردستان عموم القوى الكردستانية، وحكومة وبرلمان إقليم كردستان العراق وجميع أبناء الشعب الكردي بالوحدة في مواجهة هذه الاعتداءات الغاشمة، ونعتقد بأنه الرد الأقوى على كل الاعتداءات والمؤامرات التي تحاك ضد شعبنا، وأن هذا الموقف هو قوة الكرد الأساسية في الانتصار، ولكن وللأسف الشديد فإن هذا الموقف غير موجود، ويعاني البيت الكردي من انقسامات خطيرة تعرقل نضال شعبنا، وتعرضه لمزيد من المخاطر، وللأسف الشديد أيضاً فإن هذه الثغرة تسمح للعدو بالتسلل عبرها لتحقيق مآربه.
لكل ذلك فإننا في الحزب اليساري الكردي في سوريا نطالب بالحوار الكردي – الكردي، ونطالب بأن يتم حل جميع الخلافات بين القوى الكردية في عموم كردستان عبر الحوار، ونحرم كل أشكال الاقتتال الكردي – الكردي، ونعيد إلى أذهان الجميع بأن المحتل التركي وكل غاصبي كردستان لا يمكن أن يكونوا أصدقاء حقيقيين لأي طرف أو قوة أو جهة كردية تناضل من أجل حرية الشعب الكردي. إن تركيا ليست ضد حزب العمال الكردستاني فقط، وإنما هي ضد آمال وطموحات كل الشعب الكردي، عيون تركيا الآن على كامل الشريط الشمالي من سوريا (روج آفاي كردستان) بما في ذلك مدينة حلب، وعيونها على الموصل وكركوك وشنكال، والميثاق الملي التركي لا يترك مجالاً لأحد في أن يشكك في هذه الحقيقة، ونعيد إلى الأذهان أيضاً تجربة آخر استفتاء أجرته قيادة وحكومة إقليم كردستان العراق، لقد كانت تركيا وإيران وسوريا والحكومة العراقية من ألد أعداء هذا الاستفتاء ليس بكونه مجرد استفتاء، وإنما بكونه استفتاء للشعب الكردي لإقامة كيان خاص به على أرضه التاريخية، مرة أخرى نؤكد بأن الحوار هو حاجة أساسية، حاجة حياتية لعموم الفصائل الكردستانية، ولعموم الشعب الكردي لتعزيز العامل الذاتي في نضاله وتوحيد طاقاته.