شرع مجلس الشعب السوري الانتخابات الرئاسية في ظل معمعة الحرب، والجوع والفقر المخيم على البلاد، وفي ظل الخارطة الممزقة السورية بين فصائل راديكالية ودول محتلة لمناطق مختلفة في سوريا، إذ لم يعد أياً من المناطق آمنة ومستقرة، وفوق كل ذلك تأثيرات قانون “سيزر” المخيم على رؤوس الناخبين السوريين الذي سيصوتون نهاية الشهر المقبل لرئيس النظام السوري، لمدة سبع سنوات إضافية بعد 21 عاماً من الحكم الانفرادي حزباً وشخصاً مما أدى إلى كل هذا السواد المخيم على البلاد.
لن تفضي الانتخابات الرئاسية إلى أية نتائج جديدة، وسط عدم وجود منافس ينافس حقاً، وعدم وجود اختلافات سياسية تريد التقرب من كرسي الحكم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك مناطق لم تعد تجد نفسها معنية بما يجري في دمشق وأيضاً دمشق لم تعد تجد في نفسها سلطة حاكمة على تلك المناطق وأهمها مناطق شمال وشرق سوريا التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية الديمقراطية ومناطق نفوذ المعارضة العربية الإسلامية التي بالأساس باتت جزءاً من سياسات أنقرة الاحتلالية أكثر من ميلها لسياسات دمشق الإقصائية.
كان الأولى بنظام بشار الأسد، وسط كل هذه التجاذبات السلبية والمعارك الدموية، والسجالات الطاعنة في اليأس أن يبحث عن بدائل أكثر واقعية وربما بدائل إيجابية وأهمها البحث بمسوؤلية عن الحل السياسي وأيضاً التقرب إلى شجون الشعب السوري الذي ما زال يعاني من نكبات الفقر والجوع والعوز، وتوزعه على مخيمات بائسة داخل وخارج حدود البلاد، لا البحث عن شرعنة نفسه مجدداً بعد أن كان سبباً أساساً مع المعارضة العربية الإسلامية في إيصال البلاد إلى هذا المصير الأسود والحياة الخانقة والخانعة.
لم تلبث موسكو أن باركت دمشق على قرارها هذا، مع التحفظ التام للدول الإقليمية، وربما سيكون للشعب السوري أيضاً نفس الموقف إذ الموالون سيذهبون إلى صناديق الاقتراع وسط عرس “ديمقراطي” بينما الموت يخيم على مناطق أخرى هي ضمن ذات الخارطة التي تزغرد لذاك العرس.
تشبث الأسد بكرسي الحكم، وتشبث المعارضة العربية بقرارها بضرورة الوصول إلى كرسي الحكم ولد كل هذا البؤس والتشرد، بعيداً عن بريق شعارات الحرية والكرامة، وبالرغم من كل هذا البلاء، ما زالت دمشق تبحث عن معارك أخرى داخلية وربما ما شهدتها مدينة قامشلو مؤخراً على أثر اشتباكات بين قوات الأسايش وميليشيات الدفاع الوطني التابعة للنظام ومقتل العشرات من ميليشيات الدفاع الوطني يشي بأن رسائل النظام باتت واضحة ومباشرة أكثر للكرد في أن الانتخابات الرئاسية يجب أن تكون لها أثر ووقع في مناطق روجآفا أيضاً مع تحفظ الأخيرة على مجرى هذه الانتخابات، وسط الحرب الطاحنة المخيمة على أرض وسماء سوريا ككل.
سبع سنوات أخرى، هذا بديهي أن يحكم الأسد الابن، ولكن ماذا يحكم..؟ هل يحكم سوريا كبلاد برمتها أم يحكم جزء من هذه البلاد؟ إذا كان يستعد للانتخابات الرئاسية دون منافس أو بوجود منافس هش، من جانب السلطة ذاتها، فإن الأجدى بالنظام طرح مبادرات الحل السياسي داخلياً بعد فشلها خارجياً، إذ أن مناطق النفوذ الموزعة بين ثلاثة أطراف “دمشق، قامشلو، إدلب” هي الأكثر معنية بإيجاد الحلول، رغم أن التئامها وسط هكذا عقليات إقصائية من جانب النظام والمعارضة معاً باتت صعباً بل صعباً جداً ولكنها ليست بالمهمة المستحيلة إن وجدت الإرادة الكافية للوصول إلى أمن واستقرار تامين.
أي انتخابات رئاسية ستهم المواطن الباحث عن الأمن والخبز والحرية في ظل طغيان الرصاص والعوز والتهجير الطوعي والقسري؟ تأمل أوحد يمكن يراود ذهن المواطن السوري وهو مقبل على التصويت في دمشق أو حلب أو اللاذقية أو أية منطقة منكوبة أو منهوبة ألا وهو: سيادة الرئيس أريد أمناً وأماناً وخبزاً وبيتاً غير مهدم وحياً مبتسماً ومدينة حية ولا يهمني من يكون الرئيس..
فتح الله حسيني