السوري.. المحتار بين التفاوض والسلاح
رغم توالي سقوط أنظمة سياسية وعسكرية كثيرة، وتفتت دول ونشوب صراعات سياسية ودينية، وظهور أمراء حرب، ومعارك مفروضة وفق مصالح خارجية لدول تريد كسر إرادات بعضها خارج حدودها، فإن المشهد ذاته، واضح بالنسبة للسوريين أيضاً، من السويداء إلى درعا إلى دمشق إلى قامشلو وإدلب والرقة ودير الزور أيضاً، فالأجيال القادمة لا تريد تحمل أعباء حروب فرضت على بلادهم، بعد تشريد وموت واستشهاد مئات الآلاف من المواطنين، سواء داخل أسوار الوطن أو خارجها، أو أمام حدود الدول الأوروبية، ورغم أن السوري حلم بالديمقراطية إلا أنه الآن يدفع ثمنها روحه وجسده وحتى وطنه، حالماً ببلد جديد، بعد أن ارتهنت بعض “معارضته السياسية والعسكرية” لأجندات عدوانية، “معارضات” حلمت، بالحرية والخبز يوماً، ثم باتت تحلم بجمع الغنائم، وتشريد بني جلدته من مسقط رأسه الأصل.
تلاعبت دول كثيرة، بمصير الشعوب السورية، لأن أغلب التنظيمات التي ظهرت بعد العام 2011 كانت أصلاً مرهونة لتخريب البلاد، وتجنيد العباد لمصالح غير وطنية، والأهم أن الفوضى خيمت على المطالب اليومية، وبات السلاح هو الحكم والفيصل في كل تظاهرة في أية بلدة سورية، وحتى هذه اللحظة تشهد محافظتي “السويداء” ودرعا” هذه المعضلة الأليمة، دون وجود إرادة دولية للحل السياسي، ودون وجود إرادة داخلية أيضاً للحل.
بالتأكيد لا يمكن القول أن الأمر انتهى أو أن الحل شبه مستحيل، طالما هنالك إرادات تريد الحل، فلا بد من ذلك، وربما على العكس تماماً فإن الفرصة ما قبل الأخيرة ما زالت سانحة لتحقيق توازنات سياسية وعسكرية على الأرض، خاصة من جانب نظام بشار الأسد، ومن جانب الكرد وإدارتهم الذاتية، والأصح سورياً وداخلياً، توجيه البوصلة باتجاهها الصحيح من خلال ايجاد أرضية للبدء بتفاهمات جدية وشاملة، للوصول إلى صيغ توافقية تخدم الاستقرار، بعد أن أنهكت الحرب بلاداً كاملة، بفعل صفقات من دول إقليمية عملت بكل جدية لتخريب البلاد وإيصالها إلى هذا الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
هنالك أعين على دمار “إدلب” وهنالك غض نظر عما يجري في “السويداء” و”درعا” وهنالك دول تريد بكل قوتها تفكيك المشروع القائم في شمال وشرق سوريا بوصفه مشروعاً وطنياً سورياً حاملاً لمخرج جدي من الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد، وكل ذلك وسط سيادية الفوضى ومخرجات المؤتمرات الهشة التي تعقد حول الأزمة السورية ككل.
نقل الصراع من مدينة إلى مدينة، يؤدي إلى نتائج أكثر كارثية، مما يجعل من جميع المشاريع السياسية القائمة، وحتى حكومة دمشق، في خانة تدمير البلاد وقتل العباد، دون أن تحقق كل المؤتمرات الدولية حول الأزمة السورية أية نتائج وكلها كانت ومازالت حبراً على ورق، بينما المجتمع الدولي برمته يضحك من تحت شواربه على مأساة الشعب السوري دون أية مبادرة جدية ومسؤولة، لذا يتطلب أولاً وأخيراً من الأمم المتحدة النظر بشكل سريع في البرامج والآليات والخطط التي كانت تتبعها إبان حدوث الحروب وأن تأخذ المسألة الإنسانية في سوريا بعين الاعتبار أكثر من أي اعتبار آخر.
سوريا برمتها بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ومبادرات جدية لوقف القتل والدمار، وإلا فإن ما يتم من فرضه من انتهاكات وهجمات ويخلف كوارث وفواجع في سوريا، كلها تصب في خانة الدمار الشامل لبلد كامل ولشعوب طالما حلمت بالديمقراطية، ونادت بالتعددية وهذه ليست جريمة ليعاقب عليها هذه الشعوب المفجوعة.
تظل طاولة المفاوضات أهم وأكثر نجاحاً من معارك الخنادق والسلاح، الذي يصدر منه السوري الطلقة باتجاه صدر أخيه السوري.
فتح الله حسيني