آراء

من أستانا إلى حميميم معاداة إقليم شمال وشرق سوريا والشعب الكردي

   في التفاهمات التي جرت وتجري في إطار محور أستانا، كان الاتفاق قد تم في العام الفائت على تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، ومن أجل وضع هذا الاتفاق حيز التنفيذ جرت لقاءات عديدة بين مسؤولين أتراك ومسؤولين من النظام السوري على المستويات الأمنية ومستوى وزيري الدفاع في البلدين، ونواب وزيري الخارجية، وكذلك وزيري خارجيتي البلدين، وقطعت تلك اللقاءات شوطاً مهماً لكنها توقفت عند نقطة لقاء رئيسي الدولتين، إذ اشترط الرئيس السوري انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية كشرط أساسي لكي يتم هذا اللقاء، الأمر الذي لم يقبله الرئيس التركي، وتوقفت الأمور ظاهرياً عند هذه النقطة.

   يبدو أن ذلك المخطط لم يكن قد انتهى فعلياً، وإنما ظلت الجهات المعنية به تتابعه بهدوء على أعلى المستويات وبشكل أقوى من ذي قبل حيث تم الاتفاق بين الدول الأربعة التي تقتسم كردستان (تركيا، إيران، العراق، سوريا) وبدعم روسي على متابعة عملية التطبيع تلك من جديد، والمخطط يتم على حساب محاربة الشعب الكردي، روجآفاي كردستان، إقليم شمال وشرق سوريا بالدرجة الرئيسية وعلى حساب بيع تركيا لما تبقى من المعارضة السورية مرة أخرى بدرجة ثانية.

   في هذا الإطار جاء اللقاء بين الوفدين التركي والسوري في قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، ومن المقرر أن ينضم العراق كوسيط ومساعد للتفاهم بين الطرفين، بل أن تجري المفاوضات اللاحقة في بغداد، وبطبيعة الحال فإن كل ذلك لا يتم إلا بدعم وموافقة إيرانية مسبقة، وهذا يعني أن الدول التي تقتسم كردستان تجتمع الآن لمحاربة إقليم شمال وشرق سوريا – روجآفاي كردستان، وتحديداً لمحاربة المشروع الكردي بالرغم من كل الخلافات الموجودة بينها، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان من جديد قاعدة أن الدول التي تقتسم كردستان قد تختلف في كل شيء ولكنها تتفق على محاربة القضية الكردية، ولكن الإضافة الجديدة على هذه القاعدة هي أنها تتم برعاية روسية كدولة عظمى، وهذا ما يزيد من خطورة ما يجري الآن.

   وكمدخل إلى التطورات الجديدة جاء دخول دوريات روسية إلى بعض المناطق المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها، وهو أمر لم يكن ليقبل لولا هذه المرحلة الجديدة من العلاقات بين أطراف المخطط، كما تم الحديث عن موافقة تركيا على الانسحاب من بعض المناطق المحتلة وهو أمر يضع الائتلاف السوري في مأزق شديد، ويضع مصير القرار الأممي /2254/ لعام 2015 على الرف، إضافة إلى أن نقل مكان المفاوضات إلى بغداد عاصمة حلف بغداد سيء الصيت يضع كثيراً من علامات الاستفهام.

   بالرغم من أن هذه التفاهمات قد تفشل أيضاً كما فشل قبل سنة لأن الأزمة التي تعيشها المنطقة ليست فقط أزمة محلية وإقليمية وإنما أزمة دولية أيضاً، فالولايات المتحدة وأوروبا قد تقف ضدها كما وقفت ضد التطبيع الأول، لأن هذه التفاهمات تتم في منطقة تحتل أهمية كبيرة في سياساتها، خاصة أن نجاح هذه التفاهمات تؤدي إلى سيطرة روسيا وحلفائها على المنطقة وانحسار النفوذ الغربي، بل وفشل الولايات المتحدة وأوروبا وخروجهما من المنطقة بكل يتعلق بهذا الأمر من تداعيات، وهو أمر لن تقبله أمريكا وأوروبا في ظل الأوضاع الحالية حيث حربا أوكرانيا وغزة وتداعياتهما في التصعيد في العلاقات الدولية.

   إن ما يعنينا بالدرجة الأولى ككرد من هذا الموضوع هو أن يستوعب الكرد في عموم كردستان أنهم إزاء هذا التطور يقفون وجهاً لوجه أمام القاعدة القديمة، وهي أن الدول التي تقتسم كردستان تتحد الآن في مواجهة القضية الكردية ليس فقط في روجآفاي كردستان، وإنما في عموم كردستان مع ما يحمله هذا التطور الجديد – القديم من مخاطر حقيقية على عموم الشعب الكردي.

   إن انضمام العراق بشكل رسمي إلى هذه التفاهمات لا يأتي بمعزل عن الموقف الإيراني، فالجميع يعرف أن النظام الحالي في العراق وبالرغم من كل شيء إنما يتحرك وفق الأجندة الإيرانية، بل أنه لا يستطيع ممانعة الإرادة الإيرانية، وأن هذا النظام قد بدأ منذ فترة بالتضييق على النظام الفيدرالي في جنوب كردستان وإن كان يستخدم المحكمة الاتحادية الألعوبة كواجهة قانونية وهي في حقيقتها غير محايدة وغير مستقلة.

   في غمرة التطورات الكثيرة في كامل منطقة الشرق الأوسط، وبضمنها كردستان لم تغب عنا تلك القاعدة المشؤومة ولو للحظة واحدة، نعلم تماماً أنه في اللحظات التاريخية كانت هذه الدول تتحد جميعها في مواجهة القضية الكردية، وبالفعل كانت تنجح في مبتغاها لأن الكرد لم يكونوا موحدين، بل أن بعض قواها كانت تقف مع هذه الدولة أو تلك ويعتبرونها أصدقاء، وكانت تلك القوى أو الجهات الكردية تتصرف وفقاً لمصالحها الخاصة الآنية فقط، وتتوهم أنها تستطيع تحقيق أهدافها عن طريق هذه الجهة أو تلك، لم تكن تستطيع التمييز بين حدود ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي.

   في هذه الآونة يعيد التاريخ نفسه، إذ تتوافق الدول التي تقتسم كردستان من جديد بالرغم من تناقضاتها ومصالحها المختلفة، ويشكل هذا التوافق خطراً على جميع الكرد وإن كان الهدف لها هو روجآفاي كردستان – إقليم شمال وشرق سوريا كمرحلة أولى.

   ومن أجل توفير مستلزمات الرد على هذا الخطر وإفشاله نرى أنه لا بد من:

1- العمل الجاد من أجل وحدة الصف الكردي، ووحدة جميع مكونات إقليم شمال وشرق سوريا في الداخل والخارج وتوحيد صفوفها ومواقفها.

2- التحرك بشكل فعال على المستوى الدولي، ووضع المجتمع الدولي في صورة الوضع، وتأمين تأييد راسخ للإدارة الذاتية الديمقراطية في مواجهة مؤامرات أستانا وغيرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى