افتتاحيات الجريدة

أردوغان يترنح

-1-

   منذ الانتخابات البلدية في تركيا في شهر آذار الماضي، قالت الشعوب في تركيا لا نريدك، ولا نريد حزبك، حزب العدالة والتنمية، وكان ذلك زلزالاً لعرش أردوغان، السلطان غير المتوج، بل نتيجة تلك الانتخابات كانت تأكيداً من أغلبية تلك الشعوب بفشل سياسات أردوغان الداخلية والخارجية، فعلى مستوى الداخل ضاقت الحريات العامة بشكل كبير، وفتحت أبواب السجون أمام أصحاب الفكر والكتاب والإعلاميين والسياسيين، وكل الديمقراطيين، كما فتحت أمام البرلمانيين ورؤساء البلديات المنتخبين من قبل الشعب، وفي مقدمتهم صلاح الدين دمرتاش وليلى يوكسكداغ وأمثالهما، كما تدهور الاقتصاد التركي وانخفضت قيمة الليرة التركية إلى مستويات غير مسبوقة، وتراجع مستوى معيشة الشعب، وبخاصة الفقراء إلى حد الجوع، وعلى المستوى الخارجي فقد فشلت معظم سياساته، والجميع يتذكر قيام أردوغان بزيارات مكوكية إلى مصر والسعودية والإمارات ليعتذر لقادتها عن سياساته الخاطئة تجاهها، وكان فشل سياسته في شرق المتوسط مدوياً حيث اتحدت أوروبا بالكامل في وجه توجهاته العدوانية، يضاف إلى كل ذلك سياساته غير المجدية تجاه حربي أوكرانيا وغزة، والعلاقة مع كل من روسيا والولايات المتحدة، ومغامراته العسكرية في ليبيا وناغورني قره باغ والنيجر حيث حول المعارضة السورية وما يسمى بالجيش الوطني إلى مرتزقته لتحقيق أهدافه العدوانية، ولا يخفى على أحد استخدامهم كمرتزقة في احتلال عفرين وسريكانيه وكَري سبي ومحاربة الإدارة الذاتية الديمقراطية، كما يستخدمهم اليوم في حربه العدوانية ضد إقليم جنوب كردستان.

   يبدو أن فشل سياسات أردوغان على المستويين الداخلي والخارجي يدفعانه إلى الهروب إلى الأمام بدلاً من جعله يفكر بشكل سليم وتصحيح مساره، ذلك أن أردوغان مصاب بداء العظمة، ومرتبط بأجندات لا تخدم كامل المنطقة، مثل تنفيذه لسياسات جماعة الإخوان المسلمين العالمية ومؤامرات دولة قطر والمجموعات الإرهابية الأخرى مثل داعش وجبهة النصرة، إضافة إلى اعتناقه للميثاق الملي التركي والعثمانية الجديدة التي تهدف إلى إعادة أمجاد السلطنة العثمانية، وإعادة احتلال المناطق التي كانت يوماً ما تحت سيطرة تلك السلطنة، وفي مقدمة تلك المناطق كامل الشمال السوري بما في ذلك مدينة حلب، وكذلك الموصل وكركوك، ولا يخفى كل ذلك على أي مبتدئ في العمل السياسي، وانطلاقاً من هذه المنظومة الفكرية والسياسية التي يتبناها أردوغان فإنه يعادي الشعب الكردي على طول الخط في عموم أجزاء كردستان، بل أن كل ذلك يشكل جوهر سياساته التي تحتل محاربة الكرد مقدمتها وأساسها، وهو ما ظهر جلياً في احتلاله لمناطق عفرين وسريكانيه وكري سبي وغيرها، وما يظهر في عدوانه المستمر على إقليم جنوب كردستان، ومنه العدوان الحالي، وجوهر هذا العدوان هو احتلال مناطق في هذا الجزء من كردستان والتي يحاول إخفاءه تحت شعار محاربة حزب العمال الكردستاني.

-2-

   تشن الفاشية التركية منذ عام 1984 حرباً عدوانية شاملة ضد الشعب الكردي عامة، والشعب الكردي في شمال كردستان خاصة، وقد ذهب ضحية هذا العدوان الإجرامي عشرات الآلاف من أبناء الشعب الكردي ومن الجنود الأتراك، وثم تهديم آلاف القرى والمزارع وتهجير الملايين من المواطنين من قراهم وبيوتهم.

   بعد مرور أربعين عاماً على هذه الحرب الإجرامية لم تستطع تركيا القضاء على المقاومة، بل أنها ازدادت قوة وانتشاراً في جميع الساحات المحلية والإقليمية والدولية، وأصبح واضحاً للجميع أنه لا يمكن حل قضية الشعب الكردي عسكرياً وفي ظل قعقعة السلاح، وتوصلت كافة قطاعات شعوب تركيا إلى هذه الحقيقة، وأصبحت تدرك أن الحل الحقيقي هو الحل السياسي والحوار على طاولة المفاوضات، وحتى الهجوم التركي الحالي على إقليم جنوب كردستان سوف يبوء بالفشل ويقود إلى نفس القناعة والنتائج.

   لقد آن الأوان لحكام تركيا أن يعودوا إلى لغة العقل، وإلا فإن تركيا سوف تضعف أكثر، وتعزل عن المجتمع الدولي، ويتدهور وضعها الاقتصادي باستمرار، وتسفك المزيد من الدماء. لقد آن لهم أن يدركوا أن حل مشاكل تركيا الداخلية بالحوار الديمقراطي وحل القضية الكردية في إطار الدولة التركية هو الحل الوحيد للأزمات التركية في الداخل والخارج.

   لقد تجاوزت القضية الكردية في تركيا وإيران والعراق وسوريا الإطارين المحلي والإقليمي، وأصبحت من قضايا الشرق الأوسط والقضايا العالمية الرئيسية، وأن الشرق الأوسط والعالم لن يشهدا الأمن والاستقرار ما لم تحل قضية أكثر من /70/ مليوناً من الكرد، وآن لجميع دول المنطقة وبخاصة الدول التي تقتسم كردستان أن تستوعب بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذلك قضايا الأمن في الشرق الأوسط ترتبط إلى حد بعيد بحل القضية القومية للشعب الكردي بشكل سلمي وفق القوانين والمواثيق الدولية، وبدون إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في شمال كردستان سيظل أردوغان وكل الفاشيين الأتراك يترنحون داخلياً وخارجياً، وستعاني من ذلك كل الشعوب في تركيا.

-3-

   تاريخ الشعب الكردي مع الدول التي تقتسم كردستان طويل ومرير بمختلف أشكال الاضطهاد والقتل والتهجير والفتن وسياسات (فرق تسد) ومحاولات محو الكرد من الوجود، ومع الأسف فإن معظم سياساتها قد نجحت وإن بدرجات متفاوتة، وليس بين الكرد من لا يعلم ذلك ولازال العدو يمارس تلك السياسات.

   وإزاء كل ذلك علينا أن نتعلم من تاريخنا طريق مستقبلنا، والخطوة الأولى على هذه الطريق هي وحدتنا وتكاتفنا، هي وحدة نضال الشعب الكردي التي تعتبر قوة شعبنا الرئيسية، وإزاء كل التدخلات والهجمات ضد مكاسب شعبنا في أي جزء من كردستان يجب أن تتضامن معه كل الأجزاء الأخرى، وقبل كل شيء يجب أن تتكاتف كل القوى الكردية في الجزء المعتدى عليه ضد الغزاة وإفشالهم ودحرهم.

   من المعيب أن لا تكون لحركة التحرر الوطني الكردية استراتيجية قومية موحدة تنسق بين أطراف الحركة وتوحد قواها، وأن يبقى كل طرف يناضل ويحارب لوحده كذئب منفرد، خاصة أن هذا النقص في نضال شعبنا يخلق تداعيات لخلق الصراع بين أطراف الحركة الأمر الذي يلحق أشد الضرر بالقضية العامة للشعب الكردي، ولذلك يجب العمل بشكل جاد من أجل تأمين الاستراتيجية الموحدة عبر إقامة حوار حقيقي بين كافة الأطراف ودون إقصاء وصولاً إلى مؤتمر قومي كردي بالرغم من كافة الخلافات.

-4-

   في هذه الأيام يتم الهجوم على مكتسبات الشعب الكردي من خلال حدثين هامين وبارزين، الحدث الأول هو ما يجري تنفيذه من خلال مشروع تطبيع العلاقات بين كل من تركيا والنظام السوري، حيث الهدف الأول لتركيا هو مواجهة الإدارة الذاتية الديمقراطية وفي المقام الأول مكتسبات الشعب الكردي. والحدث الثاني هو الهجوم التركي على إقليم جنوب كردستان تحت مسمى محاربة حزب العمال الكردستاني، وأما هدفه الحقيقي فهو احتلال المزيد من أراضي الإقليم وإقامة المزيد من القواعد العسكرية عليها.

   إن أهداف دولة الاحتلال التركي واضحة تماماً، وهي ضرب نضال الشعب الكردي في كل مكان، وهي تمضي لتحقيق أهدافها بكافة الأشكال، سواء منها العسكرية أو السياسية، وتستخدم الائتلاف السوري وكافة مرتزقتها من المعارضة السورية الموالية لها لتحقيق أهدافها، كما تستخدم محاربة حزب العمال الكردستاني غطاء وذريعة لسياساتها الاحتلالية.

   إن الرد الحاسم على هذه الممارسات العدوانية هو وحدة نضال الشعب الكردي ويقظته، الوحدة وتكاتف جميع أبناء الشعب الكردي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى