بددت فصائل ما تسمى بالمعارضة العربية السورية كل رهاناتها جزافاً وبهتاناً، دون أي تقدير لأية معايير وطنية أو مفضية إلى الديمقراطية، بعد أن سكتت وخرست عنوة حيال مجازر حي “الشيخ مقصود” الكردي، خاصة بعد استخدام أحد أهم فصائلها الراديكالية المسلحة للأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً ضد الكرد المدنيين العزل في ذلك الحي الكردي الشامخ، الصامد، المطل على جغرافيا مدينة “حلب”.
وبددت، أيضاً، تلكم المعارضة العربية الهزيلة، المبنية على أسس طائفية ومذهبية هشة، جل أحلامها في تتويج نفسها بديلة لحكم الأسد الابن، بعد أن خاضت مفاوضات ماراثونية غير مجدية أنهتها وأنهت مصيرها بعد صب كل تركيزها على بقعة سدة الحكم فقط في العاصمة دمشق، دون غيرها، ولم تركز أبداً على مفاصل الديمقراطية في البلد، لاسيما وأن جماعات ومجموعات متفرقة ومعروفة منها، تحولت بقدرة قادر سياسات خارجية طائفية أيضاً إلى كتائب قاتلة، إرهابية، لأنها وبملء معرفتها وتجربتها الوليدة والأجندات المفروضة عليها أفصحت بشكل واضح وصريح بأن “جبهة النصرة” الإرهابية هي حليفتها الأساسية والمفضلة لديها عسكرياً، في تقديم صحون الديمقراطية إلى أرجاء سوريا على طبق من هدوء وذهب لا على طبق من خراب ودم.
حين زرنا بشكل مكثف الجهات السياسية الكردستانية وغير الكردستانية، كان الجميع يصر على ضرورة فضح هذه المسألة/المهزلة، بأن المعارضة العربية التي تتقدمها وتقودها جماعة الإخوان المسلمين باتت على عتبة الإرهاب، بل أن البعض وصفها بأنها الإرهاب ذاته، فيما يتعلق بخوضها معارك ضارية ضد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب على تخوم مقاطعة “عفرين” الكردية مؤخراً.
في سياق معاداتها للمسألة الكردية وحقوق الشعب الكردي في روج آفاي كردستان، وتوجيه أبصارها وفق سياسات ومخططات مرسوم لها خارجياً، ووافدة من خارج حدود سوريا وحدود روج آفا، وتطلعها إلى الاستهلال بالهجمات على روج آفاي كردستان، تكشف للجميع أصدقاء وأعداء، بأن المعارضة المعول عليها إقليمياً باتت أداة نكرة بيد دول كانت بالأساس نكرة جغرافياً وسياسياً، وظهرت على السطح بعد تفاقم الأزمة السورية وتعقيداتها وتشوهاتها، وبعد أن هاجر جمهرات وجموعاً قسراً وطوعاً إلى بلاد الله الواسعة من رعايا المعارضة العربية ذاتها ومن “منحبكجي” ها، التي تغير شخوصها بين الحين والآخر وفق أجندات تركية – قطرية، تصورا دولة مثل “قطر”، باتت تود فرض أجنداتها المتخلفة على طموحات شعب طالب بالكرامة فأهدرتها في منتصف الطريق، والفضل يعود إلى خبرات وسياسات وبسطات ودكاكين وشخوص المعارضة العربية وعقليتها ولا مسؤوليتها وتراتب مصالحها التافهة المشمئزة.
قلما وجد الكردي ضالته في سوريا، فاستجوب وسجن ونفي وتعذب وهجر بلا إرادة منه، لأنه على الدوام هتف بـ “لا” للسلطات المتعاقبة على كرسي الحكم في سوريا، والآن وجد الكردي ذاته، ضالته في هذه ظل سريان مفعول هذه “الثورة”، ليجد لنفسه موطئ قدم في جغرافيته، وليرتب شؤون “روج آفاي كردستان” وليصبح جزءاً أساساً ومؤسساً لمنظومة سياسية، عسكرية، دبلوماسية، تنظيمية، مؤسساتية، رتب لها، الكرد، بفضل دماء شبابه وشاباته، لاسيما بعد التنسيق المحبك مع قوات التحالف الدولي في محاربة الإرهاب الوافد، وصنوف الإرهابيين الذين تغطيهم المعارضة سياسياً، ومن بينهم المعارضة المسلحة التي كان من المفروض أن تكون جزءاً من ضرب منظومة البعث، لا أن يمهد للبعث وأزلامه بأن يعيشوا بأمان في مراتع دمشق واللاذقية، لتكون جل حواسهم وحواس داعميهم على ما تحقق في روج آفاي كردستان.
التبعية العمياء التي تبديها المعارضة العربية، حيال تركيا خصوصاً، وتنفيذ أجنداتها القذرة إزاء الشعب الكردي وتجربة روج آفا، أدت بها إلى السقوط في مستنقع التشويش أولاً، ومن ثم البدء بالانحدار إلى درك أسفل ثانياً، وترك الأمور تسير على عواهنها، مما أفضى بها، أي بالمعارضة إلى أن تكون وجهاً آخر لسياسات أنقرة أي وجه آخر للإرهاب ثالثاً، ليتم لها ترتيب حكومات مؤقتة ورؤساء وزراء وهميين، ووزراء أيضاً، ولاحقاً سياسيين ومفاوضين يتعلمون أسس التفاوض في “الرياض” (تصوراً الرياض أصلاً وأساساً للتفاوض.. تصوراً) ومن ثم شخوصاً متناثرين بين سياسات تائهة، أجمعت كلها بمدنها ودولها وعقالها وسياساتها على رأس الشعب الكردي الذي يعد الشريك الأساس في ترتيب ما لا يرتب في بلاد خراب، أو بلاد باتت على عتبات الخراب.
ما يهم أن الكرد انتصروا، والأجندات الإرهابية والطائفية تكسرت أمام إرادة الكردي..
ما يهم أن النظام البعثي تهاوى وأصبح أكثر إجراماً..
ما يهم أيضاً، أن المعارضة العربية سقطت أخلاقياً، وأصبحت أكثر إرهاباً..
فتح الله حسيني
