الحركة الوطنية والتحررية للشعب الكردي في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم
-1-
تشهد المنطقة والعالم تطورات سريعة وعاصفة على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية سيكون لها أبلغ الأثر على الوضع الدولي في المرحلة القادمة، وهذا التصعيد في السياسة الدولية يشكل سمة المرحلة الحالية، فالحرب الأوكرانية لازالت مستعرة وهي تتطور وتتوسع، وتستخدم فيها أكثر الأسلحة تطوراً مما ينذر بمجابهات أوسع وما يترتب على ذلك من أخطار كبيرة، وبفوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية في تركيا فإن السياسة التوسعية لتركيا ستستمر في اتجاه العثمانية الجديدة، وبضمن ذلك سياسته الرعناء بمحاولة السيطرة على الشمال السوري، وتدخلاته العسكرية في باشور كردستان ومحاربة الشعب الكردي وتدخله في ليبيا وتونس والدول الأفريقية الأخرى، ومحاربة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية، ثم هناك موضوع إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران وما ترتب على ذلك من إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية وإزالة التوترات بين إيران ودول الخليج وما يجري الحديث عنه من إعادة العلاقات بين مصر وإيران، وهناك أيضاً ازدياد التوتر بين الصين والولايات المتحدة حيث كانت قرارات مجموعة الدول السبع في هيروشيما مركزة على مواجهة ما يسمى بالتوسع الصيني ومسألة تايوان، ثم هناك مسألة النووي الإيراني الذي لم يتم إحراز أي تقدم فيه باتجاه تجديد اتفاقية عام 2015، بل أن إيران تمضي قدماً في تطوير برنامجها النووي والصاروخي، ووصلت إلى درجة متقدمة من تخصيب اليورانيوم بالرغم من كل جهود منظمة الطاقة النووية الدولية في إيقاف تطوير برنامج إيران النووي عند حدود معينة لا تمكنها من إنتاج السلاح النووي.
كل هذه الأحداث والتطورات وغيرها الكثير هي سمة المرحلة التي نعيشها اليوم، وبالتأكيد ستكون لها آثار ونتائج كبيرة على جميع شعوب العالم وشعوب المنطقة بما في ذلك الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان باعتباره جزءاً رئيسياً من شعوب المنطقة، وبقي وطنه كردستان محتلاً ومقسماً بين أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا.
في ظل هذه التطورات الكبرى يتداخل الدولي بالإقليمي والمحلي، ويشكل منظومة صراع شاملة تؤثر على مجمل القضايا، بل على الشكل الجديد للعالم الذي سينبثق لا محالة عن الصراع الدائر في العالم اليوم، والآن هناك:
– التكتل الغربي (الولايات المتحدة + أوروبا) + اليابان وكوريا الجنوبية، علماً أن الحرب في أوكرانيا سيساعد أوروبا على التكتل.
– الدور الصاعد للصين الذي يتوسع ويؤثر بشكل واضح على السياسة الدولية بنتيجة تطوره الاقتصادي الهائل.
– تحالف الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية ومحاولاته استمالة تركيا العضو في حلف الناتو.
وهناك تكتلات أخرى وتحالفات جديدة سترفع رأسها في المستقبل القريب مثل الهند في آسيا والبرازيل في أمريكا الجنوبية.
-2-
إذا كان العنوان الأبرز للحالة المعاشة من التصعيد والصراع الدولي بجميع أشكاله هو ظهور تكتلات وأحلاف جديدة، بل ظهور عالم متعدد الأقطاب، فما هو الحال بالنسبة للشعب الكردي؟ ونعيد إلى أذهان الجميع أن كردستان قد قسمت في وضع مشابه للحالة الراهنة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية التقسيم الثاني لكردستان عند اقتسام تركة الرجل المريض وانتشار رائحة النفط، كيف سينعكس الوضع الدولي الجديد على الشعب الكردي ووطنه كردستان؟ وما الذي يجب على الشعب الكردي وحركته الوطنية التحررية القيام به؟
تركيا من جهتها أفصحت عن سياستها بوضوح بالغ، فهي ضد الشعب الكردي على طول الخط، وهو العنوان الرئيسي لسياستها، هي مستعدة لشن أوسع الحروب ضد الكرد في كل مكان وزمان، يمكنها أن تتنازل لأية جهة عن أية مسألة أو موقف وحتى مصلحة مقابل معاداتها للشعب الكردي، والتجربة السورية الراهنة أوضحت ذلك بجلاء لا غبار عليه، هي مستعدة للمساومة مع إيران وسوريا والعراق مقابل محاربة الشعب الكردي وحركته الوطنية التحررية في الأجزاء الأربعة من كردستان، وفي الواقع أن هذا هو موقف جميع الدول الغاصبة لكردستان، وموقف محور أستانا المتشكل من كل من روسيا وإيران وتركيا وسوريا القاضي بمحاربة الإدارة الذاتية الديمقراطية ومحاربة قوات سوريا الديمقراطية دليل واضح على توجهات تلك الدول من قضية الشعب الكردي، تركيا بدأت حربها المعلنة من خلال الطيران المسير والقصف المدفعي الذي يستهدف مناطق الإدارة الذاتية، وهذا هو محور سياستها الراهنة التي جاءت مكملة لسياستها قبل الانتخابات واستمراراً لها، والتحركات الإيرانية وتحركات النظام السوري تسير في نفس الاتجاه، وحتى موقف الحكومة العراقية يتطابق مع مواقف الدول الغاصبة لكردستان من خلال حصار مخيم مخمور وإجراءاتها في شنكَال.
إذا كانت القضية الكردية قضية محلية وإقليمية ودولية في آن واحد، فإن على الكرد الاستفادة من كل ما هو إيجابي تجاههم على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وبالتأكيد هناك قوى داعمة لهم أيضاً على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. على الكرد الاستفادة القصوى من العامل الدولي، من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي يضم أكثر من /60/ دولة بقيادة الولايات المتحدة، ومن الموقف الأوروبي الإيجابي في المرحلة الراهنة ومن كل القوى الخيرة في العالم، ومن المواقف الإيجابية لبعض الدول العربية ذات المصلحة في مواجهة التمدد التركي والإيراني في المنطقة، ومن مواقف القوى الوطنية والديمقراطية السورية.
إذا كان الموقف الدولي في أعقاب الحرب العالمية الأولى وبخاصة في اتفاقية لوزان 1923م سيئة الصيت هو الذي أجهض قيام دولة كردستان، فإنه بعد قرن كامل يجب على الكرد، على الحركة الوطنية الكردية عدم السماح بتكرار تلك المأساة، يجب ألا يبقى الكرد دون أصدقاء، والجميع يعرف بأن اللغة الوحيدة لتلك الصداقة هي لغة المصالح المشتركة، وبإمكان الكرد في المرحلة الراهنة أن يشكلوا قاعدة صداقات مبنية على مصالح مشتركة.
-3-
لعلها المرة الأولى أو الفرصة الأولى التي تتسنى فيها الظروف الأكثر ملاءة للشعب الكردي لتحقيق أهدافه منذ اتفاقية لوزان 1923م أي بعد قرن من الزمان حيث ظل الشعب الكردي يقود العشرات من الثورات والانتفاضات التي كانت تفرق دوماً في الدماء.
والآن حيث وصل الشعب الكردي في جنوب كردستان إلى التمتع بحقوقه القومية في ظل عراق فيدرالي، وحيث حررت قوات سوريا الديمقراطية، وحدات حماية الشعب والمرأة معظم مناطق روجآفاي كردستان، وفي ظل الكفاح المسلح الذي يخوضه حزب العمال الكردستاني في باكور كردستان ووصول حزب الشعوب الديمقراطي/حزب الخضر اليساري إلى مرتبة القوة الثانية في المعارضة في البرلمان التركي، والانتفاضة الأخيرة للشعب الكردي في شرق كردستان بعد مقتل الشابة الكردية جينا أميني نجد تصاعداً مهماً في نضال الشعب الكردي في عموم كردستان، ولكي لا تضيع هذه الفرصة أيضاً هدراً فإن أمام الكرد لكي يحافظوا على وجودهم ويشكلوا كيانهم مهام كبيرة لا بد أن ينجزوها جيداً، ومن هذه المهام توفير العاملين الموضوعي والذاتي لكفاحهم، فأما العامل الموضوعي فهو موجود ومتوفر حيث يرتكز الشرق الأوسط تاريخياً على وجود أربعة شعوب أو قوميات أساسية وهي الكردية والفارسية والعربية والتركية، ويعرف كل الأطفال الكرد أن وطنهم كردستان مغتصب من قبل الأقوام المذكورة، وأنهم تقاسموه فيما بينهم، ولازال الشعب الكردي يسكن بلاده ويتعرض للتمييز والاضطهاد القومي، ويمنع من ممارسة ثقافته والتعلم بلغته الأم، وأن الشعب الكردي هو من السكان الأصليين لبلاده كردستان منذ آلاف السنين وقبل مجيء الأقوام الأخرى، ويبقى أمامه إنجاز مهمة تعزيز العامل الذاتي وإرادة تحرره القومي.
من المعروف تاريخياً أن الشعب الكردي لم يحقق تحرره القومي وبناء دولته الخاصة به بالرغم من تقديمه لمئات الآلاف من الشهداء وأنهار من الدماء بسببين رئيسيين هما أولاً العامل الدولي غير المؤاتي وأطماع الدول الكبرى في ثروات كردستان خاصة بعد انتشار رائحة النفط، والثاني هو العامل الخاص بالشعب الكردي نفسه من حيث تشتته وعدم قدرته على تحقيق وحدة نضاله، وعدم القدرة على تنظيم نفسه بالشكل المناسب بسبب الأمية والتشكيل العشائري.
إن المهمة المركزية التي تنتصب الآن أمام الشعب الكردي وحركته الوطنية التحررية لتحقيق أهدافه وطموحاته وانتزاع حقوقه المغتصبة كبيرة وهامة وتكمن في:
1- توحيد طاقات الشعب الكردي وتوحيد نضال قواه السياسية والاجتماعية، ولهذا فقد بات ضرورياً أكثر من أي وقت مضى توحيد طاقات الشعب الكردي في كل جزء وعقد مؤتمر قومي كردستاني شامل والتغلب على الصعوبات التي حالت حتى الآن إلى عدم عقده ليتم فيه التوصل إلى استراتيجية قومية موحدة لنضال الشعب الكردي والعلاقات بين قواه السياسية والاجتماعية وحل خلافاتها بالحوار السلمي الديمقراطي وبناء المرجعية الكردية وتنظيم العلاقة مع الدول الغاصبة لكردستان.
2- ترافق النضال السياسي مع النضال العسكري، لأن طبيعة النضال في هذه المرحلة هو النضال السياسي المدعوم بالكفاح المسلح.
3- تعزيز البعد الدولي للقضية الكردية وكسب أصدقاء على مستوى العالم، وتحديد أصدقاء الشعب الكردي وأعدائه.