آراء

الصراعات الشرق أوسطية بعيون كردية

   لا يخفى على كل متابع للصراع الدائر في الشرق الأوسط أن المنطقة مقبلة على تحولات جيوسياسية مفصلية لم تشهدها منذ اتفاقية سايكس  – بيكو ومعاهدة لوزان، والصراع الدائر ليس وليد اليوم، وإنما نتيجة حتمية لتناقض المصالح وهي ذات أبعاد اقتصادية وعسكرية وثقافية وسياسية، ولأن كردستان بموقعها الجغرافي ورزوحها تحت احتلال أربع دول غاصبة، فإنها تحتل موقعاً جيوسياسياً هاماً للغاية، وينبغي على الحركة الوطنية الكردستانية أن تلعب دورها وتختار الطريق القويم بكل حرفية واقتدار، ووسط هذا المناخ المضطرب فرحي بنا أن نعرج على السياسات التي تتبعها حكومة العدالة والتنمية ورئيسها أردوغان.

   إن ما يشغل بال أردوغان وطاقم حكومته قضيتان هامتان:

١- القضية الكردية وضرب مكتسبات الشعب الكردي وخشيته من انتقال العدوى من روژآفاي كردستان إلى شمال كردستان، وأن تنقسم تركيا الحالية إلى إقليمين فيدراليين كردي وتركي على غرار أغلبية دول الاتحاد الأوروبي، ويأخذ ميثاقه الملي طريقه إلى سلة المهملات، لاسيما وأن الكثير من الأصوات قد تعالت من المفكرين والحكماء والمحللين السياسيين على أن الطريق السليم أمام تركيا هي النظام الفيدرالي.

٢- القضية الثانية هي خشية الحكومة التركية من فقدان موقعها الاستراتيجي، بعد أن أعلنت أمريكا وإسرائيل والدول العربية عن فتح الممر الاقتصادي الحيوي الذي يربط الشرق بأوروبا (ممر داوود) حينها ستفقد تركيا الكثير الكثير من مزاياها الجيوسياسية والاقتصادية التي كانت تتمتع بها سابقاً وتستغلها، وعند احتلال عفرين وسريكانيه وكري سبي/ تل أبيض كانت إحدى أهداف تركيا هو ضرب الممر الكردي كركوك – البحر المتوسط وبذلك العدوان فقد حرّم جنوب كردستان وروژآفاي كردستان من هذا الممر النفطي الحيوي، إذاً فخشية تركيا من طرق الحرير ومن الممرات والطرق التجارية التي تأخذ أهمية قصوى لدى الجانب الأمريكي وحرمانها واستبعادها منها يؤرقها ويقض مضجعها، وبما أن أردوغان يدرك تماماً أنه ليس موضع ثقة الأمريكان والدول العربية فإنه التجأ إلى الضفة الروسية ومحور أستانا وابتزاز الغرب واللعب على كل الأوراق كورقة المهجرين السوريين مثالاً وحروبه في قره باغ وليبيا والنيجر.

   فالتغيير آت لاريب فيها وسيشمل كل مرتزقة تركيا وفصائل الارتزاق والذين بمجملهم في لوائح الإرهاب، وأذرع إيران بنجبائها وزينبييها وفاطمييها وتحجيمهم وتحييدهم.

   إن الشرق الأوسط الجديد بممراتها الاقتصادية ومعابرها بحاجة ماسة إلى حلفاء حقيقيين، وما الأسلحة المتطورة والعتاد الذي ينهال على القواعد الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية وقاعدة التنف إلاّ لحماية طريق الحرير المزمع إقامته. وكل ما نأمله من القادة والساسة الكرد أن لا يختاروا جانب الأنظمة الغاصبة لكردستان، بل ينتقلوا إلى الضفة الأخرى، حيث هي الأوفر حظاً لتحقيق الحلم الكردي، وأن لا يقعوا في نفس الخطأ الذي وقع فيه آباؤهم الأولين حيث أن العدو التاريخي لا يؤتمن جانبه، فمنذ أيام قلائل صافح دولت باخجلي رئيس حزب الأمة التركي القومي العنصري برلمانيين كرد من حزب DEM بارتي HDP سابقاً، قائلاً لهم بأنهم على أبواب مرحلة جديدة في تركيا والمنطقة، وعليهم فتح صفحة جديدة. وكأنه يدس السم في العسل.

   إذاً فعلينا إدراك اللحظة التاريخية وتجنب الصراعات البينية، وأن نعزز العامل الذاتي الكردستاني لنكون مهيئين للتحولات الموضوعية، فنحن كموقع جيواستراتيجي في عين العاصفة.

محمد عبد الكريم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى