العاصفة هوجاء.. والتغييرات كبيرة
-1-
الحرب الحالية بين إسرائيل وحزب الله كبيرة وشاملة، ولن تمر نتائجها مرور الكرام، كما لن تقتصر تلك النتائج على جغرافية لبنان وحده، وإنما ستتعداه إلى جميع دول المنطقة، بل إلى الشرق الأوسط برمته، ذلك لأن حزب الله لم يكن حزباً عادياً، وإنما كان ولايزال درة التاج الإيراني في المنطقة كلها، ومدججاً بالسلاح إلى أسنانه.
كان لحزب الله دوره في السيطرة على كل لبنان، ومؤثراً بجدية على الصراع العربي – الإسرائيلي، وكذلك في اليمن وسوريا والعراق، بل كان له دور على مستوى العالم، ولم يكن فقط جزءاً من أنشطة الحرس الثوري الإيراني، بل أن دوره لم يكن أقل من دور الحرس الثوري نفسه، وإنما كان يشكل مع الحرس الثوري العامل الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط بقيادة الولي الفقيه التابع في طهران وقم.
بسبب تشكيل حزب الله جبهة إسناد لحركة حماس في حرب غزة، وقصفه القرى والمواقع العسكرية الإسرائيلية بالصواريخ توصلت إسرائيل إلى القناعة الكاملة بأن حزب الله كذراع قوي لإيران هو العدو الأخطر، ولابد من محاربته والقضاء على قوته العسكرية، ومن أجل ذلك فقد قامت إسرائيل بسلسلة من الأعمال التمهيدية منها تفجير أجهزة الاتصالات (البيجر) وكذلك الأنشطة الاستخبارية والاغتيالات التي طالت معظم كوادر حزب الله السياسية والعسكرية في الصف الأول والثاني والثالث، وبالتالي إعلان الحرب الشاملة ضد الحزب، والتي نتج عنها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وكذلك اغتيال خليفته هاشم صفي الدين، وشمل القصف أشخاصاً ومستودعات أسلحة خارج لبنان مثل سوريا.
أصبحت هذه الحرب الحدث الأول في منطقة الشرق الأوسط من حيث الشمول والنتائج التي ستترتب عليها، والثاني عالمياً بعد الحرب في أوكرانيا، وتقف الولايات المتحدة والغرب عموماً إلى جانب إسرائيل في هذه الحرب، وتقف الدول العربية محرجة أولاً، وصامتة ثانياً مكتفية بالتصريحات الإعلامية لكنها لا تقف إلى جانب حزب الله.
لقد تلقى حزب الله إلى الآن ضربات ساحقة خاصة بعد القضاء على الأمينين العامين للحزب، والصف الأول والثاني من كوادر الحزب، وتدمير بنيته التحتية لكنه يقاوم حتى الآن في مواجهة قوة عسكرية هائلة، ودعم دولي واسع، ولكن ومن جهة أخرى يرى البعض أن القضاء على القوة العسكرية للحزب هي مسألة وقت بالرغم من الدعم الإيراني الذي بات ضعيفاً، خاصة وأن الهجوم الصاروخي الإيراني لم يفضِ إلى نتائج مهمة، وأن المسيرات والصواريخ التي تطلق على إسرائيل من اليمن والعراق والجنوب السوري غير ذات تأثير، إضافة إلى أن القضاء على القوة العسكرية لحركة حماس بات مسألة وقت أيضاً.
-2-
يرى الكثيرون من السياسيين والمراقبين أن الحرب الحالية بين إسرائيل وحزب الله ليست معركة عابرة أو حرباً محدودة، بل حرباً شاملة لن تنتهي إلا بالقضاء على القوة العسكرية لحزب الله، وتحويله إلى حزب سياسي. وأضواء الإعلام الدولي وفي عموم المنطقة ومتابعة المراقبين السياسيين والعسكريين لهذه الحرب مسلطة ليس فقط على مجريات هذه الحرب، بل تتابع بدقة نتائجها المحتملة وآثارها المستقبلية على كامل منطقة الشرق الأوسط بمختلف دولها وشعوبها.
إن أولى نتائج هذه الحرب ستكون بلا شك عودة الدولة اللبنانية، وانتخاب رئيس لجمهوريتها، وتشكيل حكومة جديدة بكامل الصلاحيات، وبالتالي سيطرتها الكاملة على كل الأراضي اللبنانية، وامتلاكها لسيادة لبنان وبخاصة امتلاكها لقراري السلم والحرب، وبالتالي استقرار لبنان وإعادة الحياة لاقتصاده المدمر.
ويتوقع هؤلاء المراقبون بأن إسرائيل لن تكتفي بالقضاء على حزب الله فقط، وإنما ستتوجه إلى محاربة أذرع إيران في سوريا واليمن والعراق، بل أن الصراع سيمتد إلى مواجهة إيران ذاتها التي تشكل ببرنامجها النووي والصاروخي خطراً جدياً على إسرائيل، وبذلك فإن الشرق الأوسط بكامله سيواجه ظروفاً وأوضاعاً جديدة، ولن تسلم منها معظم دوله بما في ذلك سوريا وإيران والعراق وتركيا.
إن ما يجري اليوم في المنطقة أشبه بعاصفة هوجاء، ولن تمر بدون عواقب، بل تنطوي على تغيرات كبيرة، وهي تفرض على جميع الدول التصرف بحكمة، ومواجهة حل مشاكلها بمسؤولية، وأن مشاريع من طراز توجه محور أستانا للتطبيع بين تركيا والنظام السوري هي هروب من الاستحقاقات القادمة، لأن حل الأزمة السورية يمر قبل كل شيء عبر الحوار السوري – السوري وليس عبر مؤامرات تحيكها جهات دولية وإقليمية، وليس عبر مصالحات على حساب أجزاء من الوطن والشعب السوري.
رجب طيب أردوغان يعلم ويراقب جيداً، ويقرأ جيداً التطورات المستقبلية، ويعرف تماماً أن تركيا لن تكون بمنأى عن التغييرات القادمة، ولكنه وبدلاً من مواجهتها بروح المسؤولية فإنه يلجأ إلى أساليب بني عثمان القديمة – الجديدة وإلى الميثاق الملي التركي.
كل الدول التي تقتسم كردستان معرضة للوقائع الجديدة، ورياح التغيير ستعصف بها، والقضية الكردية قادمة بقوة.
-3-
إذا كانت الأحداث والتطورات في المنطقة بهذا الشمول والاتساع، وتغطي معظم ساحات ودول الشرق الأوسط فإنه من الطبيعي أن يكون الشعب الكردي في مركز هذه الأحداث والتطورات، ولا بد أن تقفز القضية الكردية موضوعياً إلى واجهة قضايا الشرق الأوسط، خاصة أن كل الدول التي تقتسم كردستان مرشحة للتغييرات القادمة.
وإذا كانت هناك العديد من المسائل والقضايا في المنطقة تنتظر الحل والمعالجة فإن هناك قضيتان رئيسيتان تتصدران المشهد، هما القضية الكردية والقضية الفلسطينية، ولا يمكن أن تحل باقي القضايا دون إيجاد حل ديمقراطي وعادل لهما، بل أن الشرق الأوسط والعالم لن يشهد الأمن والاستقرار دون هذا الحل. وإذا كانت القضية الفلسطينية تحتل مكانة هامة لدى جميع الدول العربية فإن هناك رأي عام عربي ودولي وإقليمي حول حل هذه القضية عبر حل الدولتين.
وفي الظروف الراهنة يبدو أن هذا الحل هو الأنسب والأكثر قبولاً، خاصة أن الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني يؤيد هذا الحل، كما يبدو أن هناك توجه عام بالإقدام على هذا الحل بعد القضاء على القوة العسكرية لحركة حماس وحزب الله اللبناني، وبعد إنهاء استغلال إيران وتركيا للقضية الفلسطينية تحت شعارات تحرير القدس.
وأما القضية الكردية فإنها أكبر من القضية الفلسطينية، ولكن ليست هناك دول كردية تساندها، وأن المجتمع الدولي ينظر إليها بحسب مصالحه وسياساته الخاصة، إضافة إلى أنها تتعلق بأربع دول هي الأكثر قوة في المنطقة، وتستطيع أن تلبي مصالح الدول الكبرى، وبذلك تبدو القضية الكردية أعقد من القضية الفلسطينية.
لكل تلك الأسباب يترتب على الكرد عبر قواهم الوطنية والتقدمية والديمقراطية أن يعملوا بجدية من أجل تطوير العامل الذاتي لكفاحهم عبر وحدتهم وتعبئة طاقاتهم وحل مشاكلهم البينية، إضافة إلى العمل الدبلوماسي النشيط على جميع الساحات الدولية والإقليمية والمحلية، والاستفادة من العامل الدولي.
واقعياً حقق الكرد العديد من الإنجازات والمكاسب، ويبقى الحفاظ على هذه الإنجازات وتطويرها من أهم الواجبات الآنية بالنظر إلى خطورة المرحلة والصراعات الكبيرة الناشبة في المنطقة.
يؤكد التاريخ على أن كردستان قد قسمت، وأن القضية الكردية قد ضعفت بعد أحداث ونزاعات دولية وإقليمية كبيرة وبخاصة بعد نتائج الحرب العالمية الأولى في اتفاقية سايكس – بيكو ومعاهدة لوزان المشؤومة، وإذا كان الجزاء من جنس العمل فإنه يبدو أن القضية الكردية ستنتعش في ظل أوضاع محلية وإقليمية ودولية مضطربة، أي أن الكرد يقفون الآن على أعتاب مرحلة هامة ودقيقة من مصيرهم، ولابد لهم أن يستفيدوا من ظروفها وتداعياتها بمستوياتها المحلية والإقليمية والدولية.