آراء

الفساد آفة الآفات.. وخطر داهم

   الفساد ظاهرة قديمة، عانت وتعاني منها العديد من الدول والمجتمعات، وكانت ولاتزال تؤدي إلى نتائج كارثية من حيث استقرار تلك الدول والمجتمعات، بما في ذلك إسقاط الحكومات والأنظمة السياسية والاجتماعية، والإثراء غير المشروع على حساب لقمة الشعب وضرب أسس العدالة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

   حاربت الدول – وتحت الضغوط الشعبية – ظاهرة الفساد عبر القوانين والرقابة الشعبية والمحاسبة، ونجحت العديد منها في قمعها أو الإقلال من مستوياتها، وتمكنت من بناء اقتصادات قوية قائمة على النشاط الاقتصادي المشروع، ونجحت كذلك في توزيع الوظائف والمهمات على شرائح المجتمع بشكل عادل وبعيداً عن المحسوبية والرشوة، يعتمد على الكفاءة والتخصص العلمي والنزاهة وغير ذلك من المقاييس، مقاييس العدالة والمساواة بين المواطنين.

   في سوريا حيث سادت الأحكام العرفية منذ عام 1963، وفي ظل المقاييس السياسية والنظم الاقتصادية والاجتماعية التي سادت منذ ذلك التاريخ، وفي ظل المحسوبية بكافة أشكالها، وسيطرة البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الطفيلية، تهيأت ظروف مثالية لسيطرة الفساد في كافة المفاصل الرئيسية في الدولة والمجتمع، وأدى ذلك إلى الثراء الفاحش لهاتين الشريحتين من البرجوازية، من جهة، وإلى ازدياد الفقر ليس فقط الفقراء، وإنما إلى افقار فئات وطبقات أخرى من الشعب السوري، وبخاصة الطبقة الوسطى والفلاحين، وارتدت المحسوبيات بكل أشكالها ثوب القانون إلى حد أصبح فيه الفساد وكأنه هو القانون السائد.

   ترافق مع نمو شريحتي البرجوازية البيروقراطية والطفيلية تغييب الحريات الديمقراطية، حرية التعبير عن الرأي، حرية الصحافة، وحرية التظاهر والإضراب، وقمع الأحزاب الوطنية والديمقراطية والمجتمع المدني، وكذلك تشديد التمييز القومي ضد الشعب الكردي، ومحاربة لغته وثقافته، وتطبيق المشاريع العنصرية بحقه، وبخاصة مشروعي الحزام العربي العنصري والإحصاء الاستثنائي العنصري الجائر في الجزيرة السورية، ولهذا يمكن القول بأن الفساد واحتكار السلطة والثروة، والتمييز بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو العرق أو الطائفية، وتغييب الحريات العامة كان من أهم أسباب الحراك الثوري في سوريا عام 2011، والأزمة السورية التي دمرت سوريا أرضاً وشعباً.

   إن الفساد خطر داهم يهدد كافة الكيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك أقوى الكيانات المستقرة، ويهدد معيشة الشعب ويؤدي إلى إفقاره، وإلى خلق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وضرب الأمن والاستقرار، وهذا الفساد لا ينبع من فراغ وبدون أسباب ومسوغات، ولا بد له من أرضية للنمو، بل أن جذوره تنمو أساساً مع تغييب الحريات الديمقراطية بما في ذلك حرية التعبير عن الرأي والإعلام الحر وحظر المظاهرات والإضرابات، وحرية التنظيم، وكذلك مع غياب الأنظمة والقوانين الصارمة والمحاسبة والرقابة الشعبية.

   إن تحسين المستوى المعيشي للشعب، وتوفير الخدمات الضرورية من تعليم وصحة وعدالة اجتماعية وعدالة توزيع الثروة وغيرها غير ممكن في ظروف تفشي الفساد والمحسوبية، لأن الفساد ينصب قبل كل شيء على لقمة الشعب، ولأن البرجوازية البيروقراطية والطفيلية تجد في ظل انتشار الفساد أفضل الفرص والمناخات للتلاعب بقوت الشعب، والإثراء غير المشروع ومراكمة الثروات.

   في ظل الحروب وحالات عدم الاستقرار السياسي تتشكل الأرضية الخصبة لبروز ظاهرة الفساد، حيث يظهر على الساحة كالفطور تجار الحروب والقطط السمان، وتنعدم حتى الضوابط الأخلاقية في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وقد سادت مثل هذه الحالة في معظم الدول والمجتمعات التي مرت في ظروف انتقالية.

   في إقليم شمال وشرق سوريا تهيأت الظروف لبعض ضعاف النفوس لكي يركبوا أيضاً موجة الفساد والإثراء غير المشروع، وأن يستغلوا ظروف الانشغال في مواجهة العدوان الخارجي وقوى الإرهاب والتآمر الداخلي والخارجي، وضرورات البناء الداخلي في مجالات حفظ الأمن والاستقرار، والصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الضرورية من أجل تحسين ظروف الحياة العامة ومعيشة المواطنين، لكي يركبوا موجة الفساد ويراكموا الثروات على حساب لقمة الشعب بالرغم من كل جهود الإدارة الذاتية في محاربة الفساد والفاسدين.

   إن ظاهرة الفساد خطيرة للغاية، ومن شأنها تقويض كل ما تم بناؤه، إضافة إلى أنها تتم على حساب كل التضحيات بما في ذلك آلاف الشهداء والجرحى، ولذلك، وفي الوقت الذي نطالب فيه بشن حملة كبرى لمكافحة هذه الظاهرة، فإننا ندعو في الوقت نفسه إلى العمل الجاد من أجل تحصين المجتمع لمواجهتها، وتعميق التجربة الديمقراطية للإدارة الذاتية، وإشراك قواها السياسية والاجتماعية في مكافحتها، وتسليط الضوء عليها من قبل وسائل الإعلام المختلفة، وتمتين الرقابة الشعبية، وسن القوانين والتشريعات المناسبة والمحاسبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى