إذا انتشر الفساد في أي بلد فإن مصيره هو الدمار والخراب، هكذا علمتنا التجارب، وما أصاب سوريا اليوم يعود في قسم منه إلى حالة الفساد التي انتشرت في جميع مفاصل الإدارات والأجهزة المختلفة للدولة، وبخاصة في المفاصل الرئيسية لقيادات البلاد، إضافة إلى أن الفساد يدرج في قوائم السلوك اللا أخلاقي والرذيلة.
في الإدارة الذاتية الديمقراطية انجر ضعاف النفوس إلى الفساد، كان بسيطاً في البداية لكنه بسبب عدم المعالجة وعدم المساءلة كبر وتوسع، وأصبح بعض الأشخاص العاديين وفجأة وفي فترة قصيرة يملكون رساميل ضخمة بطرق غير مشروعة، وأصبح الفساد البسيط يتحول شيئاً فشيئاً إلى ظاهرة خطيرة.
لم يقف أحد مكتوف الأيدي تجاه هذه الظاهرة، فانتشر النقد على كل الصعد في الاجتماعات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ومن قبل أحزاب الإدارة والأحزاب خارجها، ولم تخف قيادات الإدارة وأجهزتها أيضاً هذه الظاهرة، وإنما طالبوا باجتثاثها ومحاربة الأخطاء والنواقص.
وبشكل مفاجئ انقضت الأجهزة المختصة على أوكار الفاسدين دون تمييز، فتم اعتقال عدد كبير منهم، وهم الآن رهن التحقيق، وكلما توصلت التحقيقات إلى فاسد جديد يتم القبض عليه حالاً ويتم التحقيق معه.
ومن الجدير بالذكر أنه تتم مصادرة جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة وتطبق العقوبات القانونية بحقهم.
انتشر الخبر في الشارع بشكل سريع وكان الترحيب به واسعاً، وشكل ارتياحاً عاماً لدى الجميع الذين طالبوا باستمرار هذه الحملة، كما أعادت الحملة هذه الثقة إلى أوسع القطاعات الشعبية، وساعد ذلك على مزيد من الالتفاف حول الإدارة الذاتية.
إن هؤلاء الفاسدين هم في الواقع أخطر من اللصوص العاديين، وأخطر من تجار المخدرات، إنهم طفيليات تمتص دماء الشعب، وحشرات تقتات على نسغ الأشجار وتعمل على تيبيسها، ولهذا يجب التعامل مع ظاهرة الفساد دون رحمة ليصبحوا عبرة لغيرهم.
إن انتشار ظاهرة الفساد تعني ترهل الثورة، تعني فقدان الروح الثورية، ما يؤدي إلى انهائها، وهنا مكمن الخطورة، ويجب عدم التسامح حيالها لتبقى جذوة الثورة متقدة، لأن الفساد والثورة لا يلتقيان أبداً.
وفي كل الأحوال يجب أخذ كافة الاحتياطات لضمان عدم انتشار الفساد، والضمانة تكمن في تعزيز الرقابة الشعبية، والتنظيم الإداري الجيد، وتعزيز الرقابة الداخلية وجهاز الرقابة العامة في جميع هيئات ومؤسسات الإدارة الذاتية، واليقظة الدائمة لسلوك العاملين وتأهيلهم المستمر.
وبمناسبة هذه الحملة الجريئة على مواقع الفساد فإننا نطالب بالتوسع في التحقيقات وعدم التساهل وعدم التمييز مهما كان موقع الفاسد إدارياً وسياسياً ليكونوا عبرة لمن يعتبر، وليكون ذلك رادعاً لمن تسول له نفسه في التلاعب بقوت الشعب.
جميع دول العالم التي تحترم نفسها تضع القوانين الخاصة بمكافحة الفساد، وتبني من أجل ذلك الأجهزة الإدارية والرقابية الكفوءة وتبني المحاكم الخاصة بمكافحة الفساد، فلتكن أيضاً على مستوى المسؤولية، مسؤولية حماية المكتسبات الكبيرة التي حققها شعبنا بدماء أبنائه وعرقهم ليظفروا بثمرة الحرية والكرامة.