المعارض والمهرجانات.. مناخات تبشر بثقافة جماهيرية
إن معارض الكتب، ومعارض الفن التشكيلي ومهرجانات الأدب والفن والتراث، وما يرافقها من روح احتفالية هي مواسم ثقافية ينبغي الاحتفاء بها من لدن كل أطياف المجتمع ومكوناته، وفئاته العمرية بما تشكل من حالة ثقافية صحية، التي تضيف للحياة الاجتماعية التواصل ومزيداً من الرقي والجمال، وينبغي أن تتحول إلى تقاليد راسخة، بما تمتلك من دور في تفعيل العلاقة التواصلية مع الكتاب، أو اللوحة الفنية، أو مع الموسيقا أو المسرح والسينما بما تشكله تلك الحقول الثقافة ومن عملية لقاء وحوار مباشر بين منتجي الأدب والفن والمتلقين من القراء والمتابعين من عملية تفاعل حقيقية والتي تعد من القيم الإنسانية العليا ككائن اجتماعي، رغم التطور السريع لوسائل الاتصال والثورة المعلوماتية وإمكانية مشاهدة ومتابعة كل شيء عبر الانترنت، فإن ذلك لا يستطيع أن يكون بديلاً عن اللقاء المباشر في حضن تلك الفعاليات والتظاهرات الثقافية، بما تمتلك الحوارات المباشرة من تأكيد مكانة الكتٌاب والفنانين من قبل عموم المتلقين، كما يدل على الاهتمام الرسمي من قبل الإدارة بالمثقفين المنتجين لحالة الفن والأدب .
فالثقافة صرح عال يعزز جميع المنجزات الإنسانية من اقتصادية واجتماعية، وسياسية وبيئية، وبالتالي هي حالة من شأنها أن تصنع المزيد من الجمال والحضارة.
إن مشاهدة اللوحات التشكيلية تنم عن رقي ووعي وهو لا شك فيه، وكذلك الكتاب بما له من حالة تواصل مع الفكر والثقافة والمعرفة.
فالقراءة في المجتمعات تمنح المراقب للحالة التنويرية أو الثقافية دلالات عدة تتجه في اتجاهين متعاكسين فهي مؤشر يمكن منه النفاذ إلى عمق الحالة المجتمعية، ومعرفة مدى رقيها وأيضاً في الاتجاه الآخر هو دلالة ومؤشر تخلف وانحطاط إذا كانت على هامش الاهتمامات المجتمعية وخاصة فئاته الشابة، فالأمم التي تقرأ كثيراً هي الأمم التي استطاعت أن تتطور وتخلق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتي حافظت على بيئاتها نظيفة، فالقراءة من المهارات الأساسية التي تركز عليها النظم الحديثة، ومن هنا تنبع أهمية المعارض والملتقيات الفنية من مهرجانات المسرح والسينما والموسيقا إلى معارض الفنون التشكيلية كما أنها تمنح المشاركين من كتاب وفنانين دفعات معنوية ومادية قوية، كما أنها وسائل تبادل معرفي بين ثقافات المكونات المتعددة والمتنوعة.
رغم كل ما يعتري هكذا معارض ومهرجانات من نواقص، إلا أنها تبقى واجهة ملهمة قادرة أن تصنع ثقافة مجتمعية، وقادرة أن تشارك في مراحل قادمة كافة الفئات العمرية ضمن الحالة الثقافية، ومنح المرأة والطفل الأهمية الأكبر من خلال طرح مشاريع جديدة تثري تجربة المعارض، فإنه يمكن مثلاً إقامة ورشات قراءة وخطابة للأطفال على هامش المعارض وأيضاً ورشات رسم أو كتابة، وتطوير واقع الإعلام الخاص بكل فعالية، وذلك من خلال تفعيل إذاعة معرض الكتاب، بحيث يشمل لقاءات مباشرة مع أصحاب الاختصاص والكتاب والفاعلين وأيضاً مشاركة رأي الزوار.
وختاماً: تبقى للاحتفاليات الثقافية أدوارها الراهنة والمستقبلية في رسم خطوط الثقافة بعمق أكبر، وبرؤية أوسع لتشمل جميع مناحي الحياة رغم الأوضاع المعيشية الصعبة وحالة التهديد والاحتلال من قبل الدولة التركية وعصاباتها الإجرامية.
عبد الوهاب بيراني