روجآفا، دمشق، أنقرة.. طرق سالكة بصعوبة
توقع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي هجوماً تركياً خامساً على روجآفا، وهذه المرة الهجوم على مدينة كوباني في شهر شباط المقبل، لأن كوباني تشكل دلالة رمزية بالنسبة لجميع الكرد، مشيراً في الوقت ذاته الى أنهم يأخذون التهديدات التركية على “محمل الجد”، وأنهم وضعوا المجتمع الدولي والتحالف الدولي حيال مسؤولياتهما، منوهاً إلى أن التهديدات التركية ناجمة عن محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “حشد دعم القوميين المتشددين في تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا”.
في سياق محاولات التقارب بين أنقرة ودمشق برعاية روسية، فإن أنقرة تستعد عسكرياً لتدمير مناطق أخرى من الجغرافيا السورية، وسط رفض دولي وإقليمي، ولكن في كل الأحوال فإن فتح مسار تفاوض جديد بين نظامي أنقرة ودمشق لن تفضي إلى أية تتويج، وسط شروط عصية من الجانبين من أبرزها الانسحاب التركي ووقف احتضان المعارضة العربية الإسلامية، لأن أهم أولويات أنقرة سابقاً وراهناً محاربة الإدارة الذاتية والمشروع الكردي القائم، الذي أصبح واقعاً حقيقياً ولا بد من التفاوض معه، وهذا ربما ما دعا ممثل الولايات المتحدة الأمريكية في شمال وشرق سوريا، نيكولاس غرانجر، إلى العودة السريعة إلى روجآفا مشدداً على رفض بلاده أي عمل عسكري في المنطقة، وهي على الخط لتهدئة الأوضاع بين أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، بعدما أعربت الولايات المتحدة على لسان كبار مسؤوليها السياسيين والعسكريين عن رفضهم للتوترات القائمة في مناطق شمال وشمال شرق سوريا وخطورتها، لأن تلك التوترات خطيرة وتشكل تهديداً على هدف أمريكا وقسد المشترك وهو إنهاء الإرهاب واستتباب الأمن والاستقرار في مناطق عانت كثيراً من الحروب دون وجود ملامح للحل السياسي في مجمل البلاد.
خطوة تركيا خطيرة، في التصعيد في روجآفا وفي التهدئة حيال حكومة دمشق، ولكن يسيطر التخبط على سياسات تركيا الإقليمية وخاصة تجاه سوريا التي كانت ساحة مفتوحة لتركيا لتصفية حساباتها الطائفية، ومن ثم حدوداً مفتوحة لتصدير أزماتها المتتالية، حتى باتت أنقرة ذاتها وسط أزمات كثيرة، فكانت الانتخابات التركية المقبلة الشماعة الأكثر بروزاً ليتخلص حزب العدالة والتنمية منها، ولكن بصعوبة تامة وربما تكون انتخابات خاسرة لذلك الحزب بامتياز.
التوسط الأمريكي بين أنقرة وقسد أحد أهم معالم المرحلة الراهنة، وربما تكن انتكاسة للمصالحة المزمعة بين دمشق وأنقرة، والتفاوض مع قسد بوساطة أمريكية هذه المرة، ستكون لصالح أنقرة وروجآفا معاً، وربما لصالح حكومة دمشق أيضاً.
الإصرار التركي على شن هجمة جديدة على المنطقة الأكثر استقراراً في سوريا، هو لتغيير موازين القوى في المنطقة، بعد أن بدأت تركيا ذاتها تعيش في خناق اقتصادي، وربما سياسي لاحقاً، إذ تركيا تفقد يوماً إثر يوم أوراقها الكثيرة، لاسيما وأن رهانات نجاح أردوغان في الانتخابات التركية المقبلة، ربما، ستكون في يد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، إلا أن حسابات أردوغان ستنقلب عليه بعد كل ما هدره من الموازنة التركية على حرب طاحنة في بلاد ليست بلاده ومن أجل جماعات لم تكن تعمل إلا وفق أجندات أنقرة، ولكنها باتت عارية من أي دعم دولي، وبذلك خسرت تركيا مع جماعاتها السياسية والمسلحة ما كانوا يطمحون إليه في تغيير الخارطة السورية وجعل الكرد أكبر الخاسرين.
بين كل تلك المعادلات ما زالت روجآفاي كردستان في خطر محدق، إلا أن استئناف التعاون بين “قسد” وأمريكا ربما يؤدي إلى بدء الحالة السياسية المطروحة من جانب الأمم المتحدة والإذعان للقرار 2254 المتضمن عدداً من البنود، أعلنه مؤتمر جنيف ودعمته بيانات “فيينا” الخاصة بسوريا، باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سوريا، ليحدد الشعوب السورية مستقبل بلادهم.
فتح الله حسيني