مشروع المصالحة بين المعارضة والنظام السوري وتفاعلاته المحلية والإقليمية والدولية
-1-
بعد الاجتماعات التمهيدية بين رؤساء مخابرات الدول الثلاث روسيا وتركيا وسوريا، وتنفيذاً للقرارات والتوجهات التي اتخذها اجتماع موسكو بين وزراء دفاع هذه الدول كان من المقرر عقد اجتماع بين وزراء خارجيتها ومن ثم اجتماع بين رؤساء تلك الدول، وإذا كان قد تم تأجيل اجتماع وزراء الخارجية حالياً بسبب العديد من الصعوبات والخلافات إضافة إلى مواقف العديد من دول العالم فإن ذلك لا يعني توقف المشروع.
وتأتي أهمية اجتماع وزراء الخارجية من كونها تمثل انتقال مشروع المصالحة بين النظام السوري والمعارضة السورية إلى مرحلة جديدة هي مرحلة البدء بالتوافقات السياسية لوضع أسس هذه المصالحة عملياً مثل كيفية إعادة اللاجئين وحل المجاميع العسكرية المسلحة والانسحاب التركي من الأراضي السورية وتمثيل بعض الأشخاص من المعارضة في الحكومة السورية، ومن ثم طبيعة العلاقة بين تركيا والنظام السوري ومن ضمنها كيفية تنفيذ اتفاقيات أضنة الأمنية بين الدولتين، ورسم خطوط الأعمال المشتركة بينهما لمحاربة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، والعديد من المسائل الأخرى مثل محاربة أطراف المعارضة والمجموعات المسلحة الرافضة لمشروع المصالحة ومن ثم الانتقال إلى اجتماع بين رؤساء تلك الدول كخطوة حاسمة لتنفيذ المشروع عملياً.
وبينما تجري هذه الاجتماعات من قبل روسيا وتركيا وسوريا قدماً، تجري في المقابل تحركات وزيارات من قبل مسؤولين في الولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي لمواجهة هذا المشروع الثلاثي، وتم في هذا المجال إصدار تصريحات تتضمن معارضتها للتطبيع مع النظام السوري، وبالتالي معارضتها للمشروع برمته، وقد جاءت هذه التصريحات على لسان وزارة الخارجية الأمريكية ومسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأمريكية، وتتضمن أيضاً معارضتها لأي هجوم تركي على مناطق الإدارة الذاتية، وقد تكون هذه المواقف السبب الرئيسي لتأجيل اجتماعات وزراء الخارجية لكل من تركيا وروسيا وسوريا.
وفي إطار هذه الاجتماعات والتحركات الكثيفة سواء من قبل داعمي مشروع التطبيع مع النظام أو من قبل الجهات المعارضة للتطبيع تتسرب العديد من المعلومات حول مواقف العديد من الدول، لأن هذا المشروع يحتاج لنجاحه الحصول على موافقة العديد من الدول العربية التي لازالت في موقع الغموض، وفي الإطار نفسه أيضاً تنشط قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية على جميع المستويات السياسية والعسكرية استعداداً لمواجهة كافة الاحتمالات.
-2-
إن إجراء جميع اللقاءات حتى الآن في موسكو يؤكد ما ذهبنا إليه سابقاً بأن هذا المخطط قد تم رسمه في اجتماعات أستانا وسوتشي، وأن روسيا هي التي تقود هذا المخطط الذي يجري على المستوى الدولي في ظروف تداعيات الحرب في أوكرانيا، وبالتالي لا يمكن فصله عن الصراع الدولي المحتدم على جميع الجبهات والذي يتميز بالتصعيد المستمر.
وإذا كان الأمر كذلك، وحيث أن سوريا هي المنطقة الأكثر سخونة في العالم بعد أوكرانيا فإنه من المتوقع أن يصطدم هذا المشروع بمقاومة قوية إن من قبل قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية أو من قبل العديد من أوساط المعارضة السورية وقاعدتها الشعبية، وكذلك بمقاومة دولية وبشكل خاص من قبل الغرب والتحالف الدولي.
وقد لوحظ منذ البداية إخفاء الدور والموقف الإيراني عن عمد بهدف جذب الدول العربية إلى تأييد هذا المشروع تحت ذريعة المشاركة في إيجاد حل للأزمة السورية، غير أن وزير الخارجية الإيراني في زيارته الأخيرة للمنطقة قد كشف علناً مشاركة إيران الكاملة في المشروع، وبذلك فإنه سيكون للدول العربية موقف معارض للمشروع الذي إذا نجح فإن المنطقة برمتها ستقع ضمن نفوذ تركيا وإيران ومشروعيهما بالسيطرة على المنطقة.
تركيا تسعى لتسريع تنفيذ هذا المشروع قبل الانتخابات التركية وللتغطية على فشل سياسات أردوغان في المنطقة وروسيا أيضاً تريد تسريعه لمصلحته في إبعاد تركيا عن خطط الناتو وللاستفادة من ذلك اقتصادياً في ظروف الحرب في أوكرانيا وللتخفيف عن صعوباتها في سوريا، وأما النظام وإيران فإنهما المستفيدان الأكبر ولهذا نرى تتابع وتسارع اهتماماتهما.
قد تكون مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية في مأمن من تداعيات المشروع في الوقت الحالي باعتبار أن العدوان عليها سيكون في مرحلة لاحقة من جهة ووفقاً لتطمينات التحالف الدولي واستعدادات قوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، ولكن المعارضة الرافضة للمشروع تعيش ظروفاً صعبة، فهي لازلت تحت رعاية وحماية تركية، وهي محاصرة في مناطق يمكن الانقضاض عليها بسهولة، ومن الصعوبة بمكان أن تقاوم الظروف والسياسات الجديدة، ولهذا فإنها تدرس وضعها السيء، وكيفية الخروج من المأزق الذي أوصلتها إليه سياساتها ومواقفها السابقة.
-3-
ومع كل ما ذكرناه أعلاه عن أهداف هذا المخطط، ومع كل الصخب الإعلامي والزيارات المكوكية التي رافقت ما تسمى عملية المصالحة والتحركات الواسعة لضامني أستانا (روسيا – إيران – تركيا) فإن الجميع يدرك بأن هذه الدول ليست كلية القدرة، وهي ليست الوحيدة في ساحة الصراع سواء في سوريا أو في المنطقة، وبالتالي لا يمكنها ضمان نجاح هذا المخطط كما تصورت. لقد قالت بعض جهات المعارضة السورية، وكذلك القاعدة الشعبية للمعارضة كلمتها بأنها لن تطبع علاقاتها مع النظام، وكان ذلك بالدرجة الرئيسة إنذاراً لتركيا ولبعض الجهات في المعارضة التي تأتمر بأوامر تركيا، وبخاصة في الائتلاف السوري، والجميع شاهد الفيديو الذي كانت الجماهير تطرد فيه رئيس الائتلاف سالم المسلط. ثم هناك الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، وهي قوة رئيسة في سوريا حيث لا يمكن إيجاد أي حل للأزمة السورية دونهما، وفي الوقت نفسه لا يمكن تجاهل القرارات الدولية بشأن حل الأزمة السورية وبشكل خاص قرار مجلس الأمن الدولي رقم /2254/ لأن الأزمة السورية قد دولت تماماً منذ فترة طويلة، ثم هناك أيضاً التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي أعلن وبشكل صريح معارضته للتطبيع مع النظام خارج القرار الأممي /2254/، إضافة إلى أن للمصالحات قواعد وأسس وضوابط، إذ من يتحمل مسؤولية سقوط مئات الآلاف من الشهداء ومن جميع الأطراف، وعن تهجير نصف الشعب السوري ونهب ممتلكاته ووجود مئات الآلاف من المواطنين في السجون والمعتقلات، وتدمير البنية التحتية لكامل سوريا، هل يذهب كل ذلك سدى بدون محاسبة، وبدون تحديد مسؤولية كل ذلك على طريقة عفا الله عما مضى؟ إن كل ما ذكر أعلاه يؤكد بقوة أن طريق هذا المخطط – المؤامرة ليس مفروشاً بالورود وبالإمكان إفشالها وإسقاطها، وربما كان الموقف الأمريكي من كل ذلك أحد أسباب الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي إلى واشنطن.
-4-
إن المستفيدين من التطبيع هم ضامنو أستانا (روسيا – إيران – تركيا) وكذلك النظام السوري، وأما الخاسرون فهي سوريا كوطن، وهو الشعب السوري بغالبيته الساحقة، ذلك أن الشعب السوري عندما خرج إلى الشوارع والساحات فقد خرج من أجل الحرية والكرامة والتغيير، وأن الاتفاق الأخير بين ضامني أستانا والنظام السوري بكل مصالحهم السياسية والاقتصادية يضرب بعرض الحائط كل تضحيات الشعب السوري، ويعيد الأمور إلى أسوأ ما كانت عليه قبل عام 2011م، كما يضرب بعرض الحائط القرار الأممي /2254/ الذي كان ينطوي على جزء هام من التغيير الذي أراده الشعب السوري.
ولهذا فإن الموقف المطلوب اتخاذه الآن هو رفض هذا التطبيع، وإجراء مراجعة شاملة للأخطاء التي أدت إلى ارتهان المعارضة لإرادة نظام أردوغان وأتباعه، وكل الشرفاء والأحرار في المعارضة مطالبون بالتحرر من قيود وأحابيل النظام التركي ووصايته، وإعلان رفض الاتفاق بشكل صريح، واللجوء إلى الحوار مع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية لأنها في مناطق شمال وشرق سوريا المحررة تفتح ذراعيها لكل الأحرار والشرفاء السوريين، ولأن تركيا أردوغان هي سبب كل خلافاتهما السابقة، تركيا التي باعت في مراحل سابقة حلب بمن فيها من المعارضة، وباعت المعارضة في غوطة دمشق لروسيا والنظام مقابل احتلالها لعفرين، وكذلك في درعا وغيرها من المناطق الأخرى في مقايضات لا أخلاقية مع روسيا والنظام السوري (باتفاقات سرية بين ضامني أستانا تلبية لمصالحها المشتركة)، وعلى الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية أن تبدأ بمد اليد إلى أطراف المعارضة الوطنية والديمقراطية، وكل الأحرار والشرفاء في الوطن السوري من أجل التوافق والعمل المشترك من أجل التغيير والإتيان بالبديل الديمقراطي.