-1-
عمل الحزب اليساري الكردي في سوريا في كافة مراحل نضاله من أجل وحدة الصف الكردي، ومساهماته من أجل ذلك معروفة للجميع، سواء كان ذلك على المستوى النظري أو العملي، أدبيات الحزب، وقرارات محطاته الحزبية نشرت على نطاق واسع، وعمل مناضلوه على كل المستويات لتحقيق هذا الهدف منطلقين من حقيقة أن قوة الكرد في وحدتهم. وقدم الحزب في سبيل ذلك نماذج عديدة لهذه الوحدة، بدأت من الجبهات الوطنية، مروراً بمختلف أشكال التحالفات، إلى الهيئة التمثيلية للشعب الكردي والمرجعية الكردية والوحدات التنظيمية بين الأحزاب المتقاربة سياسياً وفكرياً، وكان الهدف هو تحقيق وحدة نضال الشعب الكردي، أو وحدة الصف الكردي، بغض النظر عن الاسم أو الشكل الذي تحمله هذه الوحدات، سواء كان توحيد الموقف الكردي، أو وحدة الصف الكردي، أو ترتيب البيت الكردي.
كان توحيد نضال الشعب الكردي من أجل تحقيق حقوقه القومية والديمقراطية، وإزالة الاضطهاد القومي عن كاهله مطلوباً في جميع المراحل، غير أنها أصبحت أكثر أهمية منذ بداية الحراك الثوري في سوريا في ربيع عام 2011م لأن الشعب الكردي في سوريا قد أصبح أمام واقع خطير، فإما أن يباد، أو يحمي نفسه ويحقق ولو الحد الأدنى من حقوقه القومية والديمقراطية، وعلى هذا الأساس اختار الحزب خط حماية الشعب الكردي، خط المقاومة، وشارك في بناء الإدارة الذاتية الديمقراطية، ووقف بجرأة في وجه القوى التي اختارت الانتماء إلى ما يسمى بالائتلاف السوري الذي تهيمن عليه تركيا وحركة الإخوان المسلمين العالمية، والمعادي على طول الخط للشعب الكردي وتطلعاته القومية المشروعة، والمشارك فعلياً في احتلال المناطق الكردية (عفرين، إعزاز، الباب، جرابلس، كَري سبي وسري كانيه تحت راية الاحتلال التركي ومرتزقته.
قُدّمت الكثير من الجهود والمشاريع والمبادرات لتحقيق هدف وحدة الصف الكردي كان آخرها مبادرة الجنرال مظلوم عبدي التي ساندها حزبنا بقوة ودعا إلى إنجاحها، ولا ننسى في هذا المجال المبادرة الفرنسية وجهود العديد من الشخصيات العالمية مثل السيد كوشنير وزير الخارجية الفرنسية الأسبق وغيره، ومبادرة KNK.
بالرغم من المواقف المرتبكة التي أبداها بعض قيادات ENKS تجاه مبادرة قائد قوات سوريا الديمقراطية إلا أنها – أي المبادرة – رويداً رويداً حققت أسباب النجاح، والسبب الرئيسي في ذلك هو دعمها من قبل الولايات المتحدة، وبعض الأوروبيين وجهات عربية مهمة، وجهات كردستانية واللقاءات التمهيدية التي جرت لدعم هذه المبادرة.
لقد أعلن الحزب اليساري الكردي في سوريا عن تأييده ودعمه لهذه المبادرة والحوار الذي بدأ فعلياً وتمنى النجاح لها لتحقيق وحدة الصف الكردي، غير أنه وفي عين الوقت أبدى رأيه في بعض المقدمات، إذ انتقد الحوار الأحادي الجانب بين ENKS و PYD، وذلك لأن ENKS هو إطار يحوي مجموعة من الأحزاب، بينما PYD هو حزب واحد، وكان ينبغي أن تكون إلى جانب PYD أحزاب الإدارة الذاتية، ولم يخفِ حزبنا موقفه هذا، ليعود الأمر ويصحح في الجولة الثانية من المفاوضات لتكون بين المجلس الوطني الكردي، وبين أحزاب الوحدة الوطنية الكردية بعد أن أنجزت الوثيقة السياسية في الجولة الأولى من المفاوضات، ولم يكن نقدنا هذا شكلياً وإنما يتعلق بجوهر المسألة لأنه لا يمكن تحقيق وحدة الصف الكردي بإبعاد أطراف الحركة الوطنية الكردية وبدون التفاف شعبي حولها.
-2-
نستطيع أن نقول بأن الجولة الأولى من المفاوضات قد أنجزت بنجاح، وأن الوثيقة السياسية التي تم التوصل إليها بين الطرفين تشكل أرضية صالحة للبدء بالجولة الثانية التي ستتركز على الإدارة الذاتية والشؤون العسكرية والمالية، وطبيعي أن الجهة التي حققت كافة المكتسبات هي الإدارة الذاتية وجميع الأحزاب المنضوية في صفوفها والمؤيدة لها، فوحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية هي التي حررت مناطق شاسعة سواء في شرق الفرات أو غربه بدماء الآلاف من الشهداء، وبنت الاقتصاد والتعليم والصحة وكافة القطاعات الأخرى، ويعتبر كل ذلك مفخرة لها، بينما كان ENKS خلال كل هذا الوقت في الطرف الآخر ضمن ما يسمى بالائتلاف السوري.
في كل الأحوال ومن أجل إنجاز وحدة الصف الكردي يجب الانطلاق من المسؤوليات الجسيمة الملقاة على كواهل الجميع، وأن يقدم الجميع التنازلات المطلوبة لتحقيق الهدف، ونحن واثقون بأن أحزاب الوحدة الوطنية الكردية ستقبل على هذه المرحلة من الحوار بروح المسؤولية الكاملة، وستعمل بكل جدية لتحقيق مضمون المبادرة وبناء شراكة حقيقية، ونأمل أن تتوفر نفس الروح لدى ENKS ويقدم أيضاً التنازلات المطلوبة بروح المسؤولية الكاملة.
الجميع يعلم أن الدول الغاصبة لكردستان جميعها تعادي وحدة نضال الشعب الكردي سواء في كل ساحة على حدة أو في جميع الساحات، وبخصوص الحوار الحالي فقد أعلنت القيادة التركية في أعلى المستويات عن أنها لن تسمح بنجاح هذا الحوار، وأنها ستضع كافة العقبات أمام نجاحها، هذا ما قاله وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمام وسائل الإعلام، ونعلم أيضاً أن تركيا ستعمل على إفشال هذا الحوار حتى من دون الإدلاء بأية تصريحات، غير أن من واجبنا أيضاً إفشال الخطط التركية ومؤامراتها، وأن يقبل الجميع على هذا الحوار بروح المسؤولية العالية ويتجاوز كافة العقبات.
كان من المقرر أن تستمر المفاوضات بعد إنهاء المرحلة، وأن يبدأ حوار المرحلة الثانية مباشرة، ولكن تأجيله بطلب من ENKS ثم زيارة وفد منه إلى باشور كردستان للتشاور يدفع للاعتقاد بوجود صعوبات أمامه، أو تغيير في موقفه، وفي كل الأحوال تمنينا أن يتجاوز الصعوبات أو الضغوط التي قد تمارس عليه. غير أن طرحه الأخير في أن تستمر المفاوضات بين ENKS و PYD فقط أو بين طرفين لا تسمية لهما عززت الكثير من الشكوك حول موقف ENKS النهائي، إذ لم يحدث لا في التاريخ القديم أو الحديث أو المعاصر أن الحوارات جرت بين طرفين مبهمين وغير معروفين وحول قضية مبهمة وغير معروفة، وأي حوار بهذا الشكل سينتهي إلى لا شيء.
-3-
إذا كان المطلوب تحقيق وحدة الصف الكردي أو توحيد الموقف الكردي أو ترتيب البيت الكردي ووحدة نضال الشعب الكردي فإن الحوار يجب أن يكون شاملاً، أو على الأقل أن يكون بين الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية الكردية، وفي الواقع إذا أردنا أن تكون هذه الوحدة حقيقية وصادقة فيجب أن تتمتع بتأييد شعبي واسع، وأن تتسع أيضاً للعديد من منظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية البارزة، هذا ما يجب أن يتوفر في أي حوار حقيقي يهدف إلى تحقيق مسألة في غاية الأهمية مثل وحدة الصف الكردي، وهذا ما يجب العمل عليه وليس إبعاد تأييد القوى السياسية ومشاركتها والتأييد والالتفاف الشعبي بكل مكوناته المجتمعية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لمثل هذا الحوار المهم والمصيري.
في مثل هذا الظرف الدقيق والمصيري الذي يجتازه شعبنا الكردي خاصة والشعب السوري عامة يجب أن يسود العمل السياسي الهادئ، وأن تمنع المهاترات وأن يتقدم صوت العقل والدبلوماسية الرزينة، بمثل هذا الصوت نخاطب ENKS وندعوه إلى مراجعة موقفه، وإلى مراجعة نقدية لكامل مواقفه في الفترة المنصرمة، والانطلاق بجدية نحو مستقبل يعيش فيه شعبنا بحرية وسلام، وأن يمتنع عن سياسات الإقصاء، لأنه في المحصلة النهائية سيكون من يغلق بابه أمام الآخرين كمن يغلق الباب على نفسه، ويتخلف عن ضرورات الحوار وطبيعته، فالحوار هو سمة العصر.