آراء

يدمرون.. ثم يحدثونك بهدوء عن السلام

   لم تتوقف الآلة الإعلامية التركية، سواء الرسمية أو الرديفة، عن بث أخبار مسمومة، للداخل المعارض، أو الخارج الذي تراه تركيا خطراً على أمنها القومي المهزوز، عبر الاحتفاء بزيارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي سيجريها، في تموز المقبل، في عواصم مختلفة، وكلها، كلها تصب في تصدير النار التركية المستعرة إلى الخارج، كما السابق، وهذا ليس بجديد على تركيا، التي ترى في الكل عدواً وإن لم تجده عدواً فلا تعتبره صديقاً، زيارات تمتد من قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي ستقام في الثالث والرابع من الشهر القادم بالعاصمة الكازخستانية، أستانا، وإلى مدينة شوشا في إقليم كاراباخ، وإلى العاصمة الأمريكية، واشنطن، للمشاركة في قمة قادة الناتو، ولاحقاً إلى قبرص التركية في العشرين من الشهر القادم للمشاركة في احتفاليات الذكرى السنوية الخمسين لعملية السلام.

إذاً، أردوغان سيحضر احتفالات خص السلام!..

   تركيا بكل سياساتها وآلة حربها، شنت ومازالت تشن حروباً يومية، في الداخل، وفي دول الجوار، وفي قلب القارة الأوربية، يتحرك وفق أهواء رجل مهووس بالحروب، ثم ينتقل إلى قمم البرخ للاحتفال بالسلام، أي سياسة دولية هشة تتحمل مغامرات رجل دولة يتحول من سياسي إلى مهووس بالدمار والدم.

   الانحياز الرسمي التركي، للدم، للدمار، للحروب، لم يك صنيع اليوم ولا الأمس القريب، ولن يتوقف في الغد القريب أيضاً، طالما أن السياسة والعسكرة والدبلوماسية التركية تلتقي في مستنقع أوحد، وهو مستنقع الرفض لكل ما هو غير تركي، ويستغلون بذلك هدوء العالم لإثارة الضجيج في أرجاء الأرض.

   بينما كانت تركيا تزغرد، لجولة أردوغان المقبلة، بدأت جولات وتهديدات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي رمى كرة في ملعب السلام العالمي، مؤكداً بأن توقف الصراع المسلح بين النظام السوري والمعارضة العربية المقيمة في بلاده، هو في الوقت الحالي “الإنجاز الرئيسي” لتركيا وروسيا في هذه الجمهورية العربية، لتبدأ المزاودة التركية هذه المرة في التقرب من دمشق، بعد أن كان أسيادهم قد توعدوا في الصلاة في الجامع الأموي، ولم يتسنَ لهم ذلك، بل وبات حلماً لهم، فصلوا جماعة في “آيا صوفيا”، إذاً، هو الغرور التركي غير المنتهي، هذه المرة.

   تصريح فيدان لقناة “خبر تورك” التركية، بأن “أهم شيء لديهم هو تمكنهم مع الروس في تحقيق السلام، وأنه “لا توجد حرب حالياً بين النظام والمعارضة” و”إن مفاوضات أستانا والأشكال الأخرى جعلت ذلك ممكناً في الوقت الحالي”.. طبعاً سلسلة “أستانا” كانت مؤتمرات لشرعنة المؤامرات، على الشعوب السورية، ثم يحدثونك عن السلام، والأنكى يحتفلون به جماعة في عواصم مختلفة.

   عقد لقاءات مختلفة، في مدن وجغرافيات مختلفة لا يغير في خطورة الأوضاع أية شيء، تركيا دولة متهورة، وتدفع ضريبة ذاك التهور، دول أخرى وربما كانت الأكثر دفعاً لضريبة سوريا، من درعا إلى قامشلو، جراء سياسات ورعونة ساسة وعسكرة تركيا، ثم يحدثونك عن الهدوء والصفقات ونخب المصالحة الجديدة دون شروط أو حتى بشروط لا يهم.

   المواضيع ذات الأولوية في خرائط الطريق التركية، المرسومة أو التي سترسم لاحقاً، كلها تصب في طمس الكرد، ومكتسباتهم، وتشريدهم كقومية، واستهداف حياتهم اليومية دون رادع دولي، مما يزيد من تماهي تركيا ووحشيتها حيال جغرافيا سالمة معافى في جسد الخارطة السورية، ولكن دون جدوى، طالما الأتراك كلهم يتغنون بالسلام، وحولهم كومة نيران مشتعلة..

   تركيا التي تلعب بالنار، هي تركيا ذاتها، التي تتفرج على النيران المستعرة في أرضها، كما حدث مؤخراً في كردستان تركيا، وظلت أعين التركي تحتفل بموت الكردي وسط حقله وزرعه، ذلك الكردي الذي كانت أعينه تتطلع إلى السلام، السلام ولا شيء آخر.

فتح الله حسيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى