تطورات الأوضاع في وحول سوريا متلاحقة

-1-
تتطور الأوضاع والوقائع في وحول سوريا بشكل متلاحق وفي جميع الاتجاهات، فالصراع التركي – الإسرائيلي على سوريا مستمر، ولم تنجح محاولات التهدئة بينهما إلى الآن، وكانت نتائج الاتصالات والاجتماع بينهما في آذربيجان دليلاً واضحاً على ذلك، ويتجاوز الصراع بينهما على سوريا كدولة تقع بين تركيا وإسرائيل إلى الأطماع في الثروات السورية في البحر المتوسط من غاز وبترول ومعادن أخرى، إضافة إلى الموقف الإسرائيلي الواضح بعدم السماح من اقتراب تركيا من الحدود الإسرائيلية عبر الأراضي السورية ورغبتها في إقامة قواعد عسكرية في سوريا، وبالتالي الحلول محل إيران في سوريا، وبالترافق مع ذلك يتعزز التواصل بين إدارة الشرع والإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، وكانت اتفاقية مظلوم عبدي – أحمد الشرع نقطة بارزة تبعتها أمور أخرى مثل تشكيل اللجان التخصصية بين الجانبين، وقيامها بإبرام اتفاقيات في مجال التعليم والموارد والمعابر والاتفاق حول إدارة سد تشرين واتفاق حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وما يترافق مع ذلك من إجراءات حول عودة سكان عفرين وسريكانيه وكَري سبي إلى بيوتهم، وكلها تؤدي إلى تحجيم التدخلات التركية ومخاطرها على روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا.
معروف أن كل ذلك يجري تحت إشراف التحالف الدولي بما في ذلك إقناع تركيا بالتهدئة ووقف إطلاق النار، وفي ظل هذه التطورات جاء الموقف الأمريكي صادماً لحكومة دمشق حيث أبلغت الولايات المتحدة البعثة السورية في الأمم المتحدة بتخفيض سمتها من G1 إلى G3، أي سمة دولة معترف بها إلى سمة دولة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة، وفي الواقع بموجب هذا القرار تصبح الحكومة السورية الحالية حكومة غير معترف بها من قبل أوروبا ومعظم دول العالم سوى دولتي تركيا وقطر، وهذا ما يثقل كاهل الإدارة الحالية ويضعها تحت ضغوط خطيرة داخلياً وخارجياً.
جاءت حوادث الانتهاكات في الساحل السوري وحمص وحماة لتلقي ضغوطات وعواقب خطيرة على كاهل إدارة دمشق داخلياً وخارجياً إذ كان هناك استنكار دولي واسع ورفض شعبي داخلي لتلك المجازر المروعة والوحشية، والتي لاتزال مستمرة ولو بدرجة أقل، إذ لا يكاد يمر يوم إلا وترتكب فيه أعمال قتل واختطاف في ظل فلتان أمني خطير، ولايزال المكون العلوي يعيش حالة من الخوف والترقب في ظل وضع اقتصادي مترد للغاية، وسبق كل ذلك ما أسمي بمؤتمر الحوار الوطني الذي كان مشوهاً للغاية، ولا يمكن إطلاق اسم الحوار الوطني السوري عليه لأنه كان من لون واحد، ويهدف إلى توسيع قاعدة الإدارة الجديدة، وعلى شاكلة هذا المؤتمر صدر ما سمي بالإعلان الدستوري الذي لم يقنع السوريين بجميع مكوناتهم وتياراتهم السياسية والفكرية والاجتماعية، وجاء بعيداً عن أي شكل من أشكال الديمقراطية، بل بالعكس أنه يكرس الاستبداد والحكم الفردي المطلق.
-2-
في ظل تلك التطورات تشعر الإدارة الانتقالية في دمشق بالعزلة المتزايدة سواء عن مكونات الشعب السوري أو على المستويات الدولية والعربية، ويزيد الوضع الاقتصادي المتدهور للغاية من تعميق الأزمة في جميع المجالات، ولحلحلة الأوضاع تسعى الإدارة الانتقالية إلى فك العزلة عنها والحصول على الدعم الدولي ورفع العقوبات عن سوريا وكذلك الحصول على الدعم العربي من خلال العديد من التصريحات وزيارات وزير الخارجية وكذلك زيارات رئيس الإدارة أحمد الشرع الأخيرة إلى تركيا والإمارات.
إذا كانت أهداف زيارة الشرع إلى تركيا معروفة بسبب العلاقات المعروفة بينهما كون تركيا هي الراعية الأولى للإدارة الانتقالية الجديدة، ولضرورات التنسيق المستمر بين الطرفين، فإن زيارته إلى الإمارات العربية تأتي في سياق أن الإمارات هي إحدى مراكز القرار العربي، كما أنها مركز من مراكز الدعم المالي والاقتصادي، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية التي تتمتع بعلاقات أفضل مع الإدارة الجديدة.
يبدو أنه بالرغم من كل ذلك أن الإدارة الجديدة لم تنجح في إقناع المجتمع الدولي وكذلك الدول العربية التي لا تقتنع فقط بالأقوال، وإنما تنظر إلى الأفعال التي تعجز الإدارة الجديدة عن القيام بها، بل أنها غير قابلة للتغيير، وتتمسك بمواقفها القديمة في إطار التبعية لتركيا، ولماضيها الإرهابي والإسلام السياسي، والتفرد بالسلطة، وعدم الأخذ بعين الاعتبار التعددية السياسية والاجتماعية، والتعدد القومي والديني والمذهبي الذي يصر المجتمع الدولي والدول العربية على الانفتاح عليها، وكانت مخرجات مؤتمر العقبة واضحة جداً في هذا المجال، إذ أكدت على ضرورة الانفتاح على جميع المكونات، وبهذا الشكل تتسع حلقة أزمات الإدارة الانتقالية على جميع المستويات الدولية والإقليمية والداخلية على المستويات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية).
-3-
في خضم كل هذه المشاكل والتناقضات الكبيرة اتخذت الإدارة الانتقالية منذ البداية قراراً صائباً وهو عدم الاصطدام مع قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي مع الإدارة الذاتية الديمقراطية، وكانت اللقاءات بين السيدين مظلوم عبدي وأحمد الشرع برعاية أمريكية، إلى أن توصل الطرفان إلى اتفاقية مظلوم عبدي – أحمد الشرع ببنودها الثمانية المعروفة، وربما تكون هناك بنود أخرى لم يتم الكشف عنها، واستمرت اللقاءات بين الطرفين، وكانت هناك إنجازات تمثلت في العديد من الأمور، منها التوافقات على ملف التعليم، والاتفاق حول وضع حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب والوفد الدائم للإدارة الذاتية في دمشق برئاسة السيدة فوزة يوسف، وكان آخرها الاتفاق حول إدارة سد تشرين ساهمت جميعها في تهدئة الأمور في المنطقة انعكست على إقناع تركيا بالكف عن تهديداتها، بل الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية على وقف إطلاق النار، وإذا كانت كل هذه الأمور تشكل انتصارات تحسب لقوات سوريا الديمقراطية وللإدارة الذاتية الديمقراطية، فإنها من جهة أخرى تصب في مصلحة الإدارة الانتقالية أيضاً لأنها توفر قسماً كبيراً من الاستقرار والأمان تنعكس على معظم سوريا، وتضغط على الإدارة الانتقالية من أجل الانفتاح على القضايا السورية الأساسية.
-4-
في مواجهة تطورات الوضع السوري بجميع جوانبه تمارس قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية سياسة حكيمة وصائبة في التعامل مع كافة القضايا، تنطلق من رؤية شاملة وتقديم الحلول أيضاً، فمع الحوار مع الإدارة الانتقالية والنتائج التي تتمخض عنها فإنها تنفتح على جميع المكونات السورية من العلويين والدروز وكافة الطوائف المسيحية، وجاءت المساعدات التي قدمها الهلال الأحمر الكردي إلى أبناء الساحل دليلاً على التضامن معهم في محنتهم.
إن الحلقة المركزية في نضالنا ونضال كافة القوى الوطنية والديمقراطية السورية يجب أن تتركز اليوم على العمل الجاد والدؤوب على بناء سوريا ديمقراطية لامركزية، سوريا لكل أبنائها، على إشاعة الحريات الديمقراطية، على إعادة الحياة السياسية الطبيعية إلى البلاد عبر إعادة نشاط القوى والأحزاب السياسية والاجتماعية، وقوى المجتمع المدني، ومن أجل العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل، والتأكيد بأن الديمقراطية هي الحل المفتاحي لجميع قضايا البلاد.