وأنا أتأمل طوابير الشباب والشابات بعمر الرياحين برونق الياسمين يسرعون باتجاه مراكز الامتحانات والابتسامة لا تكاد تفارق وجوههم، هل يدركون أن حقيقة اليوم كسر أسطورة حلم الماضي؟
إنها المرة الأولى في تاريخ كرد روج آفا تجرى الامتحانات العامة للشهادتين الإعدادية والثانوية باللغة الأم ولجميع مكونات المنطقة، حيث أحدثت وتحدث لغاية اليوم سجالاً ونقاشاً بين: هل امتحاناتنا العامة حلم أم حقيقة؟
لنكن منصفين ونقول، رغم الإمكانات الذاتية البسيطة للإدارة الذاتية الفتية ورغم التحديات الكثيرة في الداخل والخارج ضد هذه المناهج وخطوات التعليم بشكل خاص، كما جميع الدعايات والإشاعات التي وجهت إلى جميع المؤسسات في الإدارة الذاتية لتشويه صورتها والشك بقدراتها، لتجاوز هذه المرحلة في الأزمة السورية التي خلقت حالة فوضى وفقر ونزوح وتشرد وتغيير ديموغرافي وآلاف من السجون، والتجاوزات على أيدي عصابات منظمة بدعم داخلي وخارجي وبتوجيه قوى إقليمية ودولية فاعلة ومستفيدة من حالة الفوضى في شمال شرق سوريا. فإملاء الفراغ التربوي وفق خطط ومناهج هادفة لم يكن من الأمر السهل، بل كما أسلفنا سابقاً واجهت تحديات داخلية وخارجية ومازالت تواجه هذه التحديات لغاية اليوم، فمن كان يريد الحقوق الثقافية والتعلم باللغة الأم بات هو أول من يحاربها، ولم يكن هذا الرفض بشكل عفوي ومطلب محق للعامة، بل كان تنفيذاً لسياسة خارجية هدفها إبقاء المنطقة والمناهج تحت سيطرة الأنظمة الحاكمة لكردستان والمناهج وفق مصالح تلك الأنظمة. فعندما يقرأ الجيل الجديد بلغته ويتعرف على حقيقة مزوبوتاميا فهذا سيكشف حقيقة التاريخ الذي شوهت حقيقته السلطات المستبدة وسيشكل خطراً على تلك الأنظمة، فالشعوب ستثور ضد أنظمتها وخاصة الشعب الكردي الأكثر تضرراً من الأنظمة الغاصبة لكردستان.
منذ 2012 ولغاية اليوم ومشروع تطوير التعليم والتربية مستمر، وبالاعتماد على تجارب ومناهج وطرق تدريس معظم الدول المتقدمة والخارجة عن الطرق الكلاسيكية التقليدية القديمة، باستخدام الطرق الاستقرائية، بل طورت هيئة التربية والتعليم من أساليبها، وأخذت الطريقة الاستنتاجية أساساً في معظم مناهجها بما يواكب التطور وعصر العولمة، باستخدام أساسيات الثقافة المرتبطة بالأخلاق، فأتت المناهج متكاملة تناسب المرحلة.
أتأمل الطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات ومراكز الامتحانات وجامعة روج آفا، فأعتقد أن خطوة الامتحانات العامة باللغة الأم وبشكل أكاديمي يوازي المقاييس العالمية، ووجود جامعة روج آفا بفروعها وكلياتها المتعددة قد أنهى السجال ومنع الجدال بالسؤال الذي راود الكثير عن مستقبل التعليم في روج آفا وشمال شرق سوريا، وخاصة عندما تكون ترتيب الجامعة عالمياً في المنتصف بين الترتيب العام لمستوى التعليم في الجامعات العالمية، وعندما يلاقي المتخرج في هذه الجامعة فرص عمل يناسب اختصاصه ويكون لعلمه التأثير في مجتمعه فهذا هو المطلوب.
الكل يعمل بروح الحس بالمسؤولية وعلى أنه واجب أخلاقي ووطني أكثر ما هو واجب وظيفي، وهذا يعطي للتعليم قدسيته ويخرجه من حالة التعليم من أجل الوظيفة بتعاون بين الإداري والمعلم والطالب الذي هو محور العملية التعليمية وأساسها.
غالباً ما ترى الابتسامة على وجوه الطلاب والطالبات والكل يحلم بمستقبله بلغته والمشاركة في رد دين لمجتمع له شهداء وتاريخ ولغة وقضية، فبات الجميع يعيش الحقيقة التي كانت حلم الشرفاء. أقولها، إنها حقيقة وليس حلماً والتاريخ سيذكر أن شعباً استطاع في ثمانية أعوام القضاء على الأمية لمعظم شعبه، واجتياز مراحل التعليم كاملة وتخريج أكاديميين من جامعاته بإمكانات بسيطة والاعتماد على الذات في أجواء حرب داخلية وخارجية.
بقلم: أزهر أحمد