-1-
مع اضطراب الوضع الدولي والعلاقات الدولية التي تمر بظروف دقيقة وصعبة بنتيجة الحرب في أوكرانيا، واقتراب موعد الانتخابات في تركيا في صيف عام 2023، ومرور /100/ عام على اتفاقية (لوزان) وفي مقدمتها تحقيق مضامين الميثاق الملي التركي تحاول تركيا أردوغان الاستفادة من هذه الحرب بحدودها القصوى، وفي الواقع فإن هدف تركيا الرئيسي ينصب في معاداة معاداة الشعب الكردي وضرب حركته التحررية واحتلال المزيد من المناطق الكردية، ولهذا نجد تركيا تشدد القبضة الأمنية على الشعب الكردي في شمال كردستان، وتزج بعشرات الآلاف من المناضلين الكرد في السجون والمعتقلات، ولا يستثني من ذلك الأعضاء المنتخبين في البرلمان والبلديات، ويعمل على تجريد حزب الشعوب الديمقراطي من شعبيته الواسعة باعتباره حزب المعارضة الثاني في تركيا، وفي الوقت نفسه تشن حملات واسعة في جنوب كردستان ضد مواقع الكريلا مستخدمة كافة صنوف الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً وتقصف شنكال وتغتال المناضلين بكل لؤم وخسة، وفي روج آفاي كردستان وشمال وشرق سوريا تقوم تركيا بقصف واسع بالأسلحة الثقيلة على جميع المناطق الآهلة بالسكان والمنشآت المدنية في محاولة واضحة إلى تهجير السكان من قراهم ومدنهم وضرب الأمن والاستقرار فيها تمهيداً لاحتلالها.
ومهما كانت حجج تركيا أردوغان فإن ضرب الشعب الكردي في كل أجزاء كردستان يأتي في مقدمة أهدافها، وهي لا تخفي هدفها الرئيسي في احتلال كامل الشمال السوري والموصل وكركوك وشنكال بحجة أنها كانت في يوم ما تحت احتلال السلطنة العثمانية.
خطب أردوغان اليومية، وتهديداته باحتلال الشمال السوري وعدوانه على جنوب كردستان تأتي في هذا السياق العدواني على الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان، وهو في هذه الفترة يحاول استغلال الوضع الدولي المضطرب والعلاقات الدولية التي تمر بظروف صعبة؛ إنه يحاول ابتزاز حلف الناتو باعتباره عضواً فيه، ويحتاجه الحلف في مواجهة روسيا، ومن جهة أخرى يحاول استغلال ظروف الاتحاد الروسي الصعبة بسبب حربه في أوكرانيا والضغوطات الغربية عليه.
-2-
لتركيا تجارب كثيرة في مسائل المقايضات، فهي قد احتلت عفرين نتيجة مقايضة مع روسيا واحتلت سريكانيه وكري سبي في مقايضة مماثلة مع دونالد ترامب، وتريد تركيا الاستمرار في هذه اللعبة الآن أيضاً، فهي ترفض انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو مقابل الحصول على مكاسب تجاه حربها على الشعب الكردي وإعطائها الضوء الأخضر للهجوم على مناطق الإدارة الذاتية، وتقايض كلاً من الغرب وروسيا على موقفها تجاه الحرب في أوكرانيا لنفس الأهداف والغايات.
وللأسف الشديد فإن تلك الجهات كثيراً ما تنغمس هي أيضاً في لعبة المقايضات، فتركيا تمارس سياسة إبادة الكرد والمجتمع الدولي صامت تجاه إجرامها وإرهابها، وهي قد حولت أراضيها وأجواءها وموانئها إلى ممر آمن لجميع المجموعات الإرهابية والمجتمع الدولي صامت، وبصمت المجتمع الدولي وبخاصة صمت الولايات المتحدة والغرب وصمت روسيا تمارس تركيا كل أشكال العدوان على الشعب الكردي، وتعربد في ليبيا وشرق المتوسط ومناطق أخرى من العالم، وهذه صفة خاصة لطبيعة السلوك الذي يسود العلاقات الدولية في الوقت الراهن في ظل الوضع الدولي الجديد القائم على أساس المصلحة بعيداً عن شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتشدق بها العالم.
في هذا الظرف الدولي الدقيق يتساءل الكثيرون وفي مقدمتهم الكرد عن موقف المجتمع الدولي من تهديدات تركيا أردوغان بالعدوان على مناطق الإدارة الذاتية، وهل سيعطي الغرب وروسيا الضوء الأخضر لتركيا لاحتلال مناطق جديدة في روج آفاي كردستان وشمال وشرق سوريا؟ في الواقع فإن الكرد كثيراً ما اعتادوا على أن يغدر بهم الجميع، ويمتلكون تاريخاً مليئاً بمثل هذه الوقائع لأن واحداً من الأسباب الرئيسية التي حرمت الكرد من الحصول على حقوقهم القومية بما في ذلك بناء دولتهم المستقلة كان العامل الدولي.
بناء على تقييم معمق للوضع الراهن ولتطورات الصراع الدائر في المنطقة وبخاصة في سوريا فإن معظم الوقائع قد تشير إلى عدم تمكن تركيا من الحصول على فرصة، سواء من جانب الغرب أو من جانب روسيا، لشن عدوان جديد لاحتلال جديد للأرض السورية، ولكن وفي الوقت نفسه لم يصدر من الجهتين موقف حازم ضد التهديدات التركية، فعلى سبيل المثال لم يوجه أي منهما إنذاراً إلى تركيا وإنما اكتفيا بعبارات عامة، فكثير من المسؤولين الأمريكيين قالوا بأن مثل هذا الهجوم سينعش داعش، وقال البعض الآخر بأنه سينجم عم مثل هذا الهجوم كوارث إنسانية، وكل هذا صحيح ولكنه لا يشكل رادعاً قوياً لتركيا، وهكذا كان الفعل الروسي أيضاً.
-3-
في ظل الظروف السائدة اليوم فإن الكرد، بل روج آفاي كردستان وشمال وشرق سوريا يحتاجون إلى مجموعة من الأعمال المتشابكة والمتكاملة والتي توفر العاملين الموضوعي والذاتي للانتصار وإفشال جميع المؤامرات والتهديدات التي تواجههم؛ إن الاعتماد على الموقف الدولي وحده – بالرغم من أهميته – لا يكفي، وفي نفس الوقت فإن الاعتماد على الذات وحده لا يكفي أيضاً، وعلى هذا الأساس نرى بأن يتركز العمل في هذه المرحلة على:
1- تعزيز عوامل الاعتماد على الذات، ويتأتى ذلك عبر مجموعة من السياسات والممارسات ومن أهمها تطوير قوات سوريا الديمقراطية وتزويدها بالسلاح المتطور والطاقات البشرية التي تحتاجها، وتحقيق الوحدة الداخلية سواء المتعلقة بوحدة الصف الكردي أو وحدة مكونات شمال وشرق سوريا وتشجيع الحوار الداخلي، وكذلك العوامل المتعلقة بتعميق التجربة الديمقراطية وحل المعضلات المتعلقة بالوضع الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للشعب، ودعم الزراعة وكافة القطاعات الإنتاجية بدلاً من المولات والمحلات التجارية الفخمة وبروز الطفيليات والمنتفعين من ظروف الحرب، وتحسين الخدمات المقدمة إلى الشعب، وبعبارة واضحة القيام بالمهام التي تؤدي إلى التفاف الشعب حول الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.
2- الاستفادة القصوى من العامل الدولي وإدارة عمل سياسي ودبلوماسي نشيط وناجح سواء في الساحات الخارجية والكردستانية وفي داخل سوريا، والمساعدة في إنشاء معارضة وطنية ديمقراطية تستند إلى برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة للوصول إلى وضع حد للأزمة السورية.