مسار جديد للعلاقات الإقليمية حول الأزمة السورية
وفق المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن فإن علاقة أنقرة يحكمها مع الحكومة السورية ثلاثة محاور، الأول: محاربة الإرهاب، الثاني: عودة اللاجئين إلى ديارهم، الثالث: استمرار المفاوضات بين النظام والمعارضة من خلال دفع الخطابات الدستورية. طبعاً كلام كالن يأتي في سياق فوز حزبه بالانتخابات الرئاسية واستمرار الإشكال مع حكومة دمشق، بعد إشكالية الشروط التي يتم التشبث بها من قبل الجانبين السوري والتركي.
إذا كانت المرحلة المقبلة ستشهد انفراجة قريبة في علاقات أردوغان مع الأسد، فإن ذلك لا يعني أبداً أن المشروع التركي سيتوج بالنجاح، إذ تتحدث دمشق عن الانسحاب العسكري التركي، بينما تتحدث أنقرة عن إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، هنا نتساءل أية ديار؟
تريد تركيا إعادة اللاجئين عنوة إلى المناطق المحتلة، وهذا ما لا يرغب به اللاجئ، إذا يريد عودة آمنة إلى منطقته الأصلية، في استفزاز تركي واضح، وعدم رضا السوريين عموماً، بعد أن أصحبت مناطقهم خراباً جراء سياسات تركيا في سوريا، ودعمها للفصائل الراديكالية، وما ادعاء تركيا بمحاربتها للإرهاب إلا نوع من البروباغندا الهشة، التي لا تمرر على أي متابع ولا على الدول العربية التي باتت لها يد في حل الأزمة السورية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك جيداً أن تركيا تنصلت من استحقاقاتها كعضو في الناتو من محاربة داعش، بل وتسترت على قادتها وأمنت لهم خرائط ودعم لوجستي لمهاجمة الأراضي السورية.
رغم السعي التركي لإعادة اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة النظام السوري بشكل آمن، وليس فقط إلى المناطق “الآمنة” في الشمال السوري، بعد توافقهم مع الجانبين الروسي والإيراني، ضمن مسلسل “أستانا – سوتشي” إلا أن ذلك لا يعني أن النوايا السلبية الخفية لأنقرة تأتي فقط لتعميق الأزمة لا حلها، وما استخدامها ورقة اللاجئين إلا استفزاز سياسي من أجل المصالحة المزعومة بين أنقرة ودمشق لا أكثر.
في البيان الختامي للاجتماع الرباعي: الروسي، التركي، الإيراني، السوري، في موسكو أعتم الاتفاق المبدئي على تسهيل ضمان عودة السوريين إلى وطنهم الأم “بشكل طوعي وآمن ومشرف”، دون وضع خارطة طريق لمستقبل البلاد عموماً، وضرورة إيجاد تسوية سياسية قبل إعادة اللاجئين الفارين أصلاً من الحرب التي كانت تلك الأطراف السبب الرئيس في تطويل أمدها، وسبباً في تشريد الشعب وتخريب ثلث الجغرافيا السورية وفق أجندات طائفية لا أكثر.
بعد القضاء على داعش عسكرياً، من قبل قوات سوريا الديمقراطية مدعومة من التحالف الدولي، لم يطرح أي طرف البديل الديمقراطي بعد ثلاثة عشرة عاماً من المعارك الدموية الداخلية في سوريا، حتى دعم المجتمع الدولي لم يكن واضحاً في هذا المجال، إذ لم تقف الهجمات الجوية والبرية على المناطق السورية، سواء من قبل المعارضة العربية أو من قبل تركيا.
الهجمات التي دائماً تتعرض لها مناطق الإدارة الذاتية هي أحد أسباب عدم الاستقرار وأحد أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى عودة الفكر المتطرف، خاصة وأن الإعلان النهائي بالقضاء على داعش لم يتم بعد، إذ ما زالت تنشط خلاياها تحت مسميات كثيرة، وسط عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تعيشها سوريا ككل.
بعد كل تلك المعارك، بعد التسويات الهشة، الاجتماعات غير المجدية، المؤامرات والمؤتمرات المنقوصة، كلها لن تفضي إلا إلى تطويل عمر الأزمة المميتة، لا أكثر.
لذلك يستوجب، التسوية السياسية أولاً، التصالح الداخلي ثانياً، ثم عودة اللاجئين، هذا ما يقوله لسان حال السوري الذي دفع ضريبة أجندات خارجية دون إرادة منه.
إذاً، الحل السياسي يتطلب توافق جامع، لا حلول منقوصة.
فتح الله حسيني