الشرق الأوسط أمام تحديات واستحقاقات كبيرة
-1-
تتسارع الأحداث والتطورات في الشرق الأوسط بشكل مثير، وبقدر ما تحوي هذه التطورات من أخطار وتحديات فإنها في الوقت نفسه تحمل الكثير من الآمال والطموحات لجميع شعوب المنطقة، ومن بينها الشعب الكردي في الأجزاء الأربعة من كردستان.
تستمر الحرب في غزة في ظل ظروف قاسية على المدنيين من قتل وتشريد وجوع ودمار للبنية التحتية بشكل غير مسبوق، وإن كانت إسرائيل قد حققت العديد من أهدافها، وبخاصة إضعاف حركة حماس عسكرياً، حيث أصبحت إسرائيل صاحبة اليد الطولى ليس فقط في غزة وإنما في الضفة الغربية أيضاً، وأصبحت تتفرغ للعمل على الجبهة الشمالية على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وتحديداً ضد حزب الله اللبناني حيث تمكنت مؤخراً من إلحاق ضربات كبيرة بهذا الحزب من حيث تصفية العديد من قياداته العسكرية من الصف الأول، وكانت عملية تفجير أجهزة الاتصالات الخاصة بالحزب ضربة موجعة له، وتفيد التقارير أيضاً أن إسرائيل تحضر لهجوم واسع على جنوب لبنان بما في ذلك التدخل البري من أجل إرغام حزب الله على الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني، ويجري كل ذلك في ظل مرور لبنان بمرحلة كارثية، حيث منصب رئيس الجمهورية شاغر، وحكومتها الحالية هي حكومة تصريف أعمال، وأوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية في غاية السوء.
من جهة أخرى يستمر محور أستانا بقيادة روسيا في جهوده من أجل تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، وإن كان هذه التطبيع يمر بظروف حرجة أحد أهم أسبابها الاحتلال التركي لمساحات واسعة من الأراضي السورية، وضرورة انسحاب تركيا من هذه الأراضي كبداية حقيقية من أجل تطبيع العلاقات، وكذلك مصير اللاجئين السوريين في تركيا وضرورة إعادتهم إلى بيوتهم بأمان، ومصير المجموعات العسكرية والائتلاف السوري، وشروط تركيا بالقيام بعملية عسكرية عسكرية (تركية – سورية) مشتركة ضد الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، كل ذلك أعباء كبيرة تقف في طريق عملية التطبيع هذه، ويترافق كل ذلك مع الموقف الأمريكي المعلن والممانع للتطبيع مع النظام السوري قبل حدوث تغييرات سياسية واسعة في بنية النظام.
من جهة أخرى تقوم تركيا بهجوم عسكري واسع في إقليم جنوب كردستان، وتحتل مناطق واسعة منه بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني، وتسكت الحكومة العراقية عن هذا الهجوم الذي يخرق سيادة العراق، وكذلك الضغوطات المستمرة للحكومة العراقية على حكومة إقليم كردستان في مجالات عديدة، وتضاف إلى كل تلك الأحداث الحرب الدائرة في السودان واليمن، وكذلك مرور العديد من دول الشرق الأوسط بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية كما في إيران وأفغانستان وتركيا وليبيا وتونس وغيرها.
-2-
إذا كانت هذه الأزمات والتحديات في بعض دول الشرق الأوسط ناجحة عن أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة على الاستبداد والديكتاتورية وتغييب الحريات الديمقراطية لشعوبها، وإذا كانت بعض هذه الأزمات نابعة من احتلال بعض الدول لأوطان بعض شعوب الشرق الأوسط، وفي مقدمتها تقسيم كردستان بين كل من تركيا، إيران، العراق وسوريا وفق اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 ومعاهدة لوزان المشؤومة عام 1923، وكذلك الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فإن صراعاً أكبر يجري على الشرق الأوسط، وهو الصراع الدولي والإقليمي، وفي مقدمة هذه الصراعات سياسة التوسع والتمدد الإيراني التي تحولت إلى أخطبوط تحتل الآن واقعياً سوريا، لبنان، العراق واليمن، وتهدد العديد من الدول الأخرى في المنطقة لتتحول إلى قوة إقليمية، بل دولية تمتلك السلاح النووي، وتترافق مع هذه السياسة الإيرانية سياسة التوسع التركية التي تحتل الآن قسماً من الأراضي السورية والعراقية، وكانت ممارساتها في ناغورني قره باغ ولاتزال في الأساس سياسة توسعية ترمي إلى مد نفوذها إلى جميع الدول الإسلامية وبخاصة الناطقة بالتركية والتي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق، وكذلك سياستها في ليبيا وفي بعض المناطق الإفريقية التي كانت في يوم ما تحت السيطرة العثمانية، وكذلك سياستها الرامية إلى السيطرة على بعض الدول عبر جماعة الإخوان المسلمين العالمية كما جرى ويجري في تونس وسوريا، وكل ذلك استناداً إلى ما يسمى بالميثاق الملي التركي والعثمانية الجديدة، وفي ظل دعائها بقيادة المذهب السني، كما تفعل إيران بقيادة المذهب الشيعي.
في خضم هذه الصراعات المحلية والإقليمية، يحتل الصراع الدولي على الشرق الأوسط المكانة الأبرز، فإذا كان النفوذ الغربي هو السائد عموماً في المنطقة باعتباراتها الجغرافية والاقتصادية، فإن المحور الروسي – الصيني يبذل أيضاً جهوداً كبيرة في هذه المنطقة في هذه الآونة لبسط نفوذه والتمتع أيضاً بحصته من الكعكة الشرق أوسطية من خلال احتلال بعض المواقع عسكرياً مثل سوريا، واحتلال مواقع أخرى اقتصادياً، لا بل أن هذا الصراع يشكل جزءاً من الصراع الدولي على امتداد العالم الذي يجري على قدم وساق في ظل نشوء تحالفات عسكرية واقتصادية جديدة، وتقاسم العالم من جديد، ولهذا يمكن تسمية الشرق الأوسط بالمنطقة المأزومة على كافة المستويات سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، بل في كل دولة من دولها.
-3-
إن أهم قضيتين تواجهان الشرق الأوسط هما القضية القومية للشعب الكردي، والتي تشكل قضايا رئيسية في جميع الدول التي تقتسم كردستان، وهي قضية رئيسية في عموم الشرق الأوسط، وقضية دولية أيضاً، والقضية الأخرى هي قضية الشعب الفلسطيني، ويستحيل أن ينعم الشرق الأوسط والعالم بالأمن والاستقرار دون إيجاد حل عادل لهاتين القضيتين، وتضاف إلى قضايا الشرق الأوسط الرئيسية أيضاً قضايا الشعوب الأخرى، وقضايا الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق الإنسان وقضايا المرأة، وكذلك القضايا الدينية والمذهبية، وإن كان الإسلام هو الدين السائد.
إن الحكومات والأنظمة السائدة، وهي بمعظمها أنظمة استبدادية ودكتاتورية، عندما تتهرب من حل كل هذه القضايا والإشكاليات التي تواجه بلدانها، وتستمر بالحديد والنار في قمة السلطة، وتقمع المعارضات الوطنية والديمقراطية، فإنها تخلق في الوقت ذاته الأرضية الخصبة لنمو القوى الإرهابية بدلاً من نمو معارضات وطنية ديمقراطية وقوى اجتماعية تعمل من أجل التغيير الديمقراطي السلمي.
إن ما نشاهده اليوم من انتشار ظاهرة الإرهاب هي في جزء كبير منه نتاج لانعدام العدالة، ولغياب الحريات الديمقراطية والاستئثار بالسلطة والثروة، ولا يمكن الاقتصار في محاربة هذه الظاهرة بالاعتماد على القوة العسكرية فقط، وإنما يجب استئصالها بالإضافة إلى القوة العسكرية بالعمل الفكري الجاد، والاهتمام بتحسين الوضع المعيشي للشعب، وحل قضايا الشعوب بشكل عادل، وإطلاق الحريات الديمقراطية.
-4-
في إطار هذه التحديات والتطورات التي تعصف بكل منطقة الشرق الأوسط، فإن الشعب الكردي يقف على أعتاب مرحلة هامة ودقيقة ستحدد مستقبله لفترة طويلة قادمة، وهذه المرحلة تفرض قبل كل شيء تعبئة وتوحيد طاقاته، وتحديد مواقفه ورؤاه بدقة ووضوح بالنظر إلى خطورة المرحلة واستحقاقاتها كردياً وإقليمياً ودولياً، وعلى ذلك تنتصب أمام جميع الفصائل الكردية في عموم أجزاء كردستان مهمة توحيد مواقف القوى الكردستانية كمسألة رئيسية، ويتبع ذلك حل خلافاتها البينية عبر الحوار الذي يشكل سمة العصر، وتفصيلاً يتوجب على هذه القوى رص صفوفها في كل جزء وتحديد أهدافها وأسس نضالها بدقة.
وفي الساحة الكردية في سوريا، وفي سوريا عموماً فإن كل التجربة التاريخية، وظروف ونتائج المرحلة وبخاصة منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، وإصرار كل الدول التي تقتسم كردستان على ضرب الإنجازات التي حققها الشعب الكردي، فإن هذه المرحلة بكل ظروفها وشروطها تحدد أن يضع الكرد نصب أعينهم الأهداف التالية لنضالهم القومي والاجتماعي:
1- سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، وهو مصدر قوة وغنى.
2- وضع دستور توافقي يضمن إقامة نظام سياسي ديمقراطي يعترف بالتعددية ويضمن حقوق المكونات السورية.
3- الاعتراف الدستوري بالوجود القومي للشعب الكردي على أرضه التاريخية وحل قضيته القومية وفق الأعراف والمواثيق الدولية.
4- الاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية في البلاد.
5- ضمان التعليم والتعلم باللغة الكردية لأبناء الشعب الكردي.
6- إن ضمانة هذه التعددية هو إقامة نظام لامركزي سياسي، أي أن تصبح سوريا دولة اتحادية، والاعتراف الدستوري بالإدارة الذاتية الديمقراطية كنموذج لسوريا المستقبل يشكل نفس الضمانة لسوريا ديمقراطية.