الكرد.. بين صنوف الصراع المريرة
في الوقت الذي تعصف تغييرات متسارعة في المنطقة برمتها، وفي الوقت الذي تتواصل فيه الأزمة السورية القاتلة، ما يقارب من عقد ونيف، دون حلول دولية تلوح في الأفق، يؤكد السوريون، على اختلاف انتماءاتهم، أن الحل يمر من خلال الحوار السوري – السوري، ودون تدخل خارجي، بعد فشل الأجندات الخارجية في تهدئة صنوف الصراع المريرة، ولكن ذلك يبدو صعباً ومعقداً في الوقت الحالي، لارتهان العديد من الأطراف للخارج وتحركها من أجل تحقيق مصلحتها الضيقة على حساب مصلحة الشعب السوري العامة، وأهمها تعنت حكومة دمشق، ورفضها، دون مبرر، للمبادرات الداخلية.
يبدو أن سبب تعنت حكومة دمشق وتمسكها بالحل العسكري، وقبول الوصايا الروسية دون الوصاية الشعبية الداخلية، يعني إطالة عمر الأزمة، خاصة وأن الوضع الإقليمي برمته بات وضعاً بائساً، نظراً للحروب المفروضة في المنطقة، وبات السوريون النازحون والمهجرون في دول الجوار ينتظرون فرصة العودة بعد تهجيرهم أو نزوحهم طوعاً أو قسراً.
إن التمسك بذهنية الحزب الواحد ومبدأ المركزية السياسية المفرطة وقيادة المؤسسة العسكرية والسياسية من جانب واحد، قد ولى زمنها بعد كل تلك الحروب والمعارك، وربما تلك الذهنية أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة البائسة من التهلكة.
إن حل الأزمة المستفحلة لن يتم إلا من خلال حوار وطني سوري جامع أولاً، يصاحبه حوار كردي – كردي مستعجل، ولذلك لا بد لجميع الأطراف أن تجلس إلى طاولة الحوار، وتقدم تنازلات بهدف تحقيق انتقال سياسي للسلطة ووضع دستور جديد وإعادة النازحين والمهجرين الذين يمثلون نصف الشعب السوري، أولئك النازحين الذين باتت حياتهم في خطر جراء التصعيدات في المنطقة، على الصعيد السوري، وعلى الصعيد الكردي، الأطراف السياسية مطالبة بضرورة الاستعجال باستئناف الحوارات دون شروط مسبقة، لمواكبة الأحداث المتسارعة والمتغيرات التي تخيم على خارطتنا أيضاً، كما كل الخرائط المجاورة، وما مبادرة الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، عن استعدادها لتقديم الدعم والعون اللازم لتسهيل عودة اللاجئين السوريين في لبنان، في إطار التصعيد الإسرائيلي على جنوب لبنان، إلا نوع من المبادرة الايجابية لسوريا برمتها، خاصة وأن الإدارة الذاتية لم تتجاهل حق دمشق في الاستقبال، بل وطالبت من دمشق بضرورة تسهيل مرور اللاجئين وأخذ معاناتهم بعين الاعتبار.
التوافق الداخلي، كردياً وسورياً، مطلب شعبي أساسي، ويفضي إلى التهدئة الداخلية، ويهيئ المناخ المناسب لعودة التهدئة، واللحاق بصيرورة الحياة الهادئة بعد سنوات الحرب وضجيجها، في بلاد تأكلها المصالح الإقليمية، دون وجود إرادة دولية لفرض الحل السياسي أو طرحه بما يواكب مصالح الشعوب السورية على أقل تقدير.
في الجانب الآخر، ثمة ماراثون قائم بين الرئيس التركي ورئيس المعارضة التركية، للوصول أولاً إلى لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وربما تعقد صفقات جديدة بين المعارضة والنظام السوري، بعد أن كرر أردوغان ضرورة لقاء الأسد دون تنفيذ شروط دمشق، وهذا ما يؤثر على تقديم اللقاء فيظل لقاءً محتملاً ومؤجلاً.
فقد كشف زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، أوزغور أوزيل، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمامه فرصة لا تعوض لترحيل اللاجئين السوريين.
وخلال تصريحات لأوزيل في بلدة “إسكندرون” بولاية هاتاي، برر أوزيل سبب تأخر لقائه مع الرئيس السوري قائلاً، إن أردوغان بعث برسالة إلى بوتين، يقول فيها: “دع الأسد يقابلني أولاً، إذا قابل المعارضة فلن يكون هناك اتفاق”.
ورغم أن أوزيل يتحدث باسم كل المعارضة، فأنه يشدد على ضرورة أن يلتقي أردوغان مع الأسد، وإذا تأخر في الذهاب فإنه سيذهب بمفرده أو سيشكل وفداً من ممثلي وقادة الأحزاب السياسية في تركيا، ليذهبوا للقاء الأسد ويدعوه إلى إنهاء مشكلة اللاجئين السوريين، لاسيما وأن أورزيل يعي تماماً أن حل المسألة الكردية بات ملحاً، سواء في تركيا أو سوريا، بعد أن تعقدت خيوط الأزمة بفضل سياسات بلاده ذاتها.
يبدو أن فرص لقاء أردوغان والأسد باتت قريبة، ولكن على ما يبدو أن ساعة الصفر تحدد في موسكو وليس في مكان آخر، وهذا ما دعا أردوغان إلى مناشدة موسكو لترتيب اللقاء.
وسط كل ذلك الكرد مطالبون بالسرعة القصوى، بترتيب البيت الكردي، بالتزامن مع ترتيب البيت السوري، لكي لا تظل الأهداف المنشودة، سراباً في صحراء كبرى مفتوحة على أتربتها.
فتح الله حسيني