النظام السوري وما تسمى بالمعارضة
وجهان لعملة واحدة
-1-
ما تسمى بالمعارضة السورية وفي مقدمتها الائتلاف السوري ونظام الأسد وجهان لعملة واحدة بالرغم مما بينهما من خلافات، فالمعارضة مرتهنة للخارج بكل ما يترتب على ذلك من نتائج، والنظام رهن وجوده وقراره للخارج بكل ما يترتب على ذلك من نتائج، وتلك النتائج ومقدماتها لا تخدم الوطن السوري والشعب السوري اللذين يئنان من القتل والدمار والتشرد وكل الجرائم والموبقات.
نعم، الاثنان مرتهنان للخارج، ولكن لخارجين مختلفين من جهة، وموحدين من حيث الأهداف، لكل منهما مشاريعه سواء كانت هذه المشاريع تتعلق بالمنطقة أو تتعلقان بالصراعات الإقليمية والدولية، فالائتلاف السوري وكل من يدور حوله قد حسموا أمرهم ومصيرهم بالجلوس في حضن تركيا أردوغان وجماعة الإخوان المسلمين التي تريد التمدد والتوسع تحت شعار الإسلام السني في كل المناطق سواء في ليبيا وكامل الشمال الأفريقي ومصر، بل وفي كل أفريقيا وشمال سوريا وغيرها، والنظام السوري قد حسم أمره بالجلوس في حضن إيران وأصبح واحداً من أذرعه، وحوّل سوريا إلى محافظة من المحافظات الإيرانية.
إيران تسيطر الآن على أربع دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي تحرك الأوضاع في المنطقة وتشكل خطراً عليها ولاسيما على دول الخليج، وتركيا أردوغان تحتل أجزاءاً من الشمال السوري وتمنع أي حل للأزمة السورية إلا وفق مصالحها التوسعية في سوريا، وتحتل جزءاً من العراق وتصرح علانية بأحقية ملكيتها للموصل وكركوك، وتتمدد في الخليج عبر قطر وجماعة الإخوان المسلمين، وتهدد أمن مصر وباحتلال ليبيا وتونس، وتتمدد في القرن الأفريقي عبر الصومال والمجموعات الإرهابية، وتدعم المجموعات الإسلامية الإرهابية في أواسط أفريقيا، وقصتها في شرق المتوسط بما في ذلك قبرص معروفة للجميع، ومع كل ذلك جعل النظام سوريا جزءاً من السياسة الإيرانية التوسعية، وأصبحت المعارضة السورية جزءاً من السياسة التركية التوسعية.
بهذا الشكل وبهذه السياسة والممارسات فإن النظام وما تسمى بالمعارضة يهددان وجود سوريا كدولة وكشعب، وابتعدا عن إيجاد الحلول الضرورية للأزمة السورية، وحولاها إلى دولة فاشلة، كما جعلا اسم سوريا والشعب السوري اسماً مكروهاً لدى معظم دول وشعوب العالم بالرغم من كل الإرث الحضاري لها.
-2-
حوّلت تركيا المعارضة السورية وكل الفصائل المسلحة التابعة لها إلى مرتزقة لتحقيق أهدافها التوسعية والعدوانية، فأرسلت قسماً منها إلى ليبيا لقاء المال واستخدمت قسماً منها في احتلال عفرين وإعزاز وجرابلس وكَري سبي وسري كانيه، وأرسلت قسماً آخر إلى ناغورني قره باغ وقسماً إلى كشمير وقسماً إلى الصومال لتنفيذ سياسات العثمانية الجديدة التوسعية، وتحقيق جماعة الإخوان المسلمين التي خرجت معظم المجموعات الإرهابية من تحت عباءتها وعباءة أردوغان.
وحوّلت إيران النظام السوري إلى ذراع ومعبر لها لخدمة أجنداتها في المنطقة بالتعاون مع حزب الله اللبناني والمجموعات الشيعية العراقية والأفغانية والحوثي وغيرها لخدمة المشروع الإيراني في التمدد في منطقة الشرق الأوسط.
بهذا الشكل فإن النظام وما تسمى بالمعارضة وفي مقدمتها الائتلاف السوري وجهان لعملة واحدة يخدمان مشاريع مختلفة ما عدا المشروع الوطني السوري، وسلوكهما بهذا الشكل يجعلهما عقبتين كبيرتين أمام أي حل وطني سوري، وهما يعلمان تماماً أن التدخل الإيراني والتركي في سوريا هما اللذان أوصلا البلاد إلى ما هي عليه اليوم، وأن لا حل للأزمة السورية إلا بإبعادهما وإخراجهما من سوريا.
-3-
في الاجتماع الأخير للجنة الدستورية والذي يحضره ممثلو النظام وممثلو ما تسمى بالمعارضة والذي يرعاه ممثل الأمم المتحدة السيد غير بيدرسون، والذي فشل تماماً مثله مثل الاجتماعات السابقة، خلت أوراق المعارضة من وجود الكرد في سوريا، وأيضاً وجود أية مكونات أخرى، وكان موقف المعارضة مشابهاً لموقف النظام الذي أصرّ هو الآخر على عدم وجود أية مكونات أخرى سوى المكون العربي.
وفي اجتماع لوزارة الأوقاف في مسجد العثمان في السابع من هذا الشهر حضره بشار الأسد، أكد الأسد على إسلامية وعروبة سوريا (التاريخ العربي الإسلامي) وأنكر وجود المكونات الأخرى من الكرد والسريان والشركس والأرمن وغيرهم، وحتى أنه بهذا الشكل أنكر وجود الديانات الأخرى غير الإسلامية.
ماذا يعني هذا؟ ألا يعني ذلك أنهما – أي النظام والمعارضة – وجهان لعملة واحدة؟ ثم أين هي مواقفهما الوطنية؟ إن موقف النظام بهذا الشكل يؤكد بجلاء على أنه موقف أحادي الجانب، موقف عروبي شوفيني، وحتى هذا الموقف يباع عندما يرهن النظام موقفه بمواقف إيران، وإلى جانب ذلك أيضاً وعندما تصر المعارضة على إنكار وجود المكون الكردي وعلى إنكار وجود المكونات الأخرى ألا يدل ذلك على أن موقفها متماثل مع موقف النظام الذي يباع أيضاً عندما ترهن موقفها بمواقف تركيا ومواقف جماعة الإخوان المسلمين؟ وكل هذه السياسات والمواقف سواء كان من النظام أو المعارضة تتعارض مع الموقف الوطني السوري الحقيقي.
إن الموقف الوطني السوري هو الموقف الذي يجمع أبناء الوطن السوري ويوحّدهم على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، وعلى اختلاف انتماءاتهم السياسية لأن سوريا بلد متعدد القوميات والثقافات والأديان والمذاهب، وأن هذا التنوع قد تشكل عبر التاريخ منذ آلاف السنين، وهذا التنوع بالذات يشكل أهم مصادر قوة سوريا وغناها الثقافي والاجتماعي ووحدتها، وأما مواقف إنكار هذا التعدد الغني الجميل فهي مصدر ضعف سوريا وتفرق أبنائها، وإذا أرادت أية جهة سواء كانت حكومات أو أحزاب أو قوى وتنظيمات اجتماعية الخير لسوريا فعليها الاعتراف بهذه التعددية، وتوحيدها تحت سماء الوطن وأن تصبح سوريا لجميع السوريين.
-4-
إن ما ذكرناه أعلاه من مواقف النظام ومعارضة الائتلاف هي التي تكمن وراء إطالة أمد الأزمة السورية التي تكمل سنتها العاشرة لتدخل سنتها الحادية عشرة، وبالتالي إطالة أمد معاناة ومآسي السوريين من قتل وتشريد وخراب، لأنه كان بالإمكان حل هذه الأزمة لو كان السوريون نظاماً ومعارضة يملكون قرارهم الوطني، ولو لم ترهن المعارضة والنظام إرادتهما للخارج وتنفيذ أجنداته، خاصة أن الطرفين دوّلا الأزمة السورية منذ بدايتها، إذ لم يقدم النظام أي حل للأزمة سوى الحل العسكري والأمني، وسمح بتدخل إيران وغيرها لمساعدته، وانتهجت المعارضة سلوكاً خاطئاً سواء في تحديد الأهداف أو في الوقوع تحت إملاءات الخارج.
إن العداء للكرد ومحاولات طمس وجودهم القومي في سوريا هي صفة مشتركة بين النظام وما تسمى بالمعارضة، وهذه السمة ليست فقط ضد الشعب الكردي، وإنما هي ضد كافة المكونات الأخرى مثل السريان والشركس والأرمن والآشوريين وغيرهم، بينما الواقع أنه يعيش في سوريا العديد من المكونات القومية، ويتوزعون على عدد من الأديان، ما يجعل سوريا فسيفساء جميلة، الكرد والسريان هم سكان سوريا الأصليون ويعيشون فيها منذ فجر التاريخ والآثار والتنقيبات الأثرية تدل عليهم، وليس في كل ذلك ما يسيء للمكون العربي.
إن سياسات الإنكار هذه لم تعد تجدي ولن يستفيد منها النظام أو المعارضة، خاصة في عصرنا الحالي الذي حول العالم إلى قرية صغيرة، إضافة إلى أن أعمال الشعب الكردي تدل عليه، لقد تحولت قوات سوريا الديمقراطية إلى قوة رئيسية في سوريا ولن يستطيع النظام أو المعارضة من القفز فوق دورها في حل الأزمة وتشكيل سوريا الجديدة، بل لا حل بدون قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية، والحل الذي تقدمه الإدارة الذاتية هو حل شامل لا يتنكر لأي سوري ولا يتجاهل أياً من مكونات سوريا، هي تعمل من أجل أن تكون سوريا لجميع السوريين، وهذا هو الموقف الوطني الحقيقي، وتجربة الإدارة الذاتية هذه أصبحت معروفة لكل السوريين وللعالم أجمع، وتاريخ الكرد ومساهماتهم في بناء الدولة السورية معروف أيضاً، ولن يكون بإمكان النظام أو المعارضة التنكر له طويلاً.