-1-
في /14/ أيار القادم ستكون تركيا أمام استحقاقات رئاسية وبرلمانية حاسمة، في انتخابات مفصلية في تركيا، بل أنها من أهم الانتخابات في تاريخ تركيا منذ عقود من الزمن، وتحظى باهتمام كبير سواء على المستوى الداخلي في تركيا أو على مستوى المنطقة والعالم.
لقد أصبحت هذه الانتخابات على الأبواب، وتنحصر بشكل رئيسي على مستوى البرلمان بين ثلاث كتل انتخابية هي حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وحزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي من جهة، وحزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليشدار أوغلو ومعه خمسة أحزاب أخرى فيما تعرف بالطاولة السداسية من جهة ثانية، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) الذي سينزل إلى الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر من جهة ثالثة، ورئاسياً ستنحصر المنافسة بين كل من أردوغان وأوغلو، علماً أن حزب اليسار الأخضر لن يقدم مرشحاً رئاسياً، ومن المرجح أن تذهب أصوات ناخبيه إلى كمال كليشدار أوغلو.
على السطح فإن استطلاعات الرأي ترجح فوز كمال أوغلو، ولكن واقعياً فإن حظوظ الطرفين كبيرة ولهما العديد من أوراق القوة، فأردوغان وكتلته قد حشدوا القوميين الأتراك المتطرفين والقوى والجماعات الإسلامية المتطرفة، ووضعوا برنامجاً انتخابياً على قاعدة تخويف الناخبين بأن تركيا على مفترق طرق، فإما أن ينجح هو وتكتله فيحافظوا بذلك على الدولة التركية موحدة، وإلا فإن تركيا ستفقد استقرارها وقد تنقسم البلاد وتفقد هويتها إذا نجحت المعارضة، خاصة أنه في دعايته الانتخابية يلوح علناً بأن كمال كليشدار أوغلو من المذهب العلوي وينحدر من أصول كردية.
يمتع أردوغان وحزبه بدعم وإسناد من روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول المناهضة ولحلف الناتو، ويعبر ذلك عن الاتجاه الذي يسلكه أردوغان منذ فترة طويلة، وظهر ذلك بأجلى صوره بعد نشوب الحرب في أوكرانيا، ولهذا المحور مشروع مشترك في المنطقة وبخاصة في سوريا، وفي مقابل ذلك فإن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يعمل من أجل إسقاط أردوغان، وخلافاتهما معروفة منذ مدة طويلة، يؤيد الغرب التحالف المضاد لأردوغان لأنه سيعمل في حال نجاحه على إعادة تركيا إلى الناتو بقوة، وبالتالي الضغط على روسيا ومحاصرتها ودعم معارضتها الداخلية، وبخاصة مسلمي روسيا، وأيضاً عرقلة المشروع الإيراني في المنطقة، إضافة إلى إفشال المشروع المشترك لروسيا وإيران وتركيا الخاص بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا المعادي للإدارة الذاتية. وأما حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الأول بزعامة أوغلو فقد عمل على توحيد المعارضة ضد أردوغان ونجح في تجميع خمسة أحزاب معارضة أخرى وشكل ما تعرف بالطاولة السداسية التي وضعت هي أيضاً برنامجها الانتخابي، وهي تؤكد على إعادة الديمقراطية إلى تركيا، وعلى حق المواطنة وتحارب النظام الرئاسي، وتعمل من أجل العودة إلى النظام البرلماني، كما تعمل من أجل تعزيز مواقع النظام العلماني، وهو برنامج يخالف برنامج أردوغان من عدة جوانب، ويركز برنامجها الاقتصادي على محاربة الفساد وعلى تحسين الوضع المعيشي ومحاربة التضخم ووقف تدهور قيمة الليرة التركية، وواضح في برنامجها الانتخابي أيضاً تحسين علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وأوروبا ومع دول العالم الأخرى، وأما حزب الشعوب الديمقراطي الذي سينزل إلى الانتخابات البرلمانية باسم حزب اليسار الأخضر، وهو حزب المعارضة الثاني من حيث عدد نوابه في البرلمان فإنه لم يقدم مرشحاً رئاسياً، حيث سيشارك بقائمة خاصة به في الانتخابات البرلمانية فقط، وهو يملك كتلة انتخابية حدها الأدنى 10% من مجموع أصوات الناخبين على مستوى تركيا، علماً أن قسماً كبيراً من قيادييه وممثليه في البرلمان والبلديات المنتخبون بشكل شرعي موجودون في السجون، وهو يؤكد بأنه يحتفظ بكتلته الانتخابية، كما كسب أصواتاً إضافية بسبب الممارسات الديكتاتورية لأردوغان وحزب العدالة والتنمية ضد الشعب الكردي وسياساتهما المعادية للديمقراطية، واستطاع الحزب أيضاً أن يكسب أصوات الأرمن والسريان وقسماً من العرب وغيرهم من الاثنيات الموجودة في تركيا والعديد من القوى والمجموعات اليسارية والديمقراطية، ويأمل الحزب أن يحصل على /100/ مقعد في البرلمان القادم، وطرح الحزب أيضاً برنامجه الانتخابي بجوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ينافس به برامج الكتل الانتخابية الأخرى.
-2-
أردوغان يملك تجربة واسعة في مجال الانتخابات بحكم وجوده على رأس السلطة لعقدين من الزمن، كما عمل انطلاقاً من موقعه الأول في السلطة على كسب قطاعات هامة من الشعب التركي، وسخر إمكانيات الدولة للفوز في الانتخابات القادمة، ومع ذلك فهو مثقل بكثير من السلبيات وفي مقدمتها الفساد وبخاصة في نطاق عائلته وبطانته المحيطة به، كما أنه مسؤول عن تردي الوضع الاقتصادي وفقدان الليرة التركية لقسم كبير من قيمتها تجاه العملات الأخرى وعن التضخم الذي وصل إلى مستويات عالية، إضافة إلى أن معظم سياساته الخارجية قد فشلت سواء في ليبيا وشرق المتوسط وتجاه مصر ودول الخليج أو تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما تراجع الهامش الديمقراطي وتحولت تركيا نحو الدكتاتورية وفتح أبواب السجون أمام البرلمانيين ورؤساء البلديات المنتخبين بشكل شرعي وأمام الكتاب والمثقفين والإعلاميين والقضاة والطلبة وغيرهم. وأما المعارضة فإن كمال كليشدار أوغلو فلا تحيط به مشاكل الفساد وغيرها من الأخطاء والعيوب لأنه لم يكن في السلطة، وبهذا فإنه يتقدم على أردوغان الذي يحاول التشهير به عن طريق انتمائه المذهبي والقومي، ويعتبر حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كمال أوغلو نفسيهما حارسين على النظام العلماني، وهو بذلك على نقيض أردوغان ذي الميول الدينية الإخوانية. ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي (اليسار الأخضر) حزب المعارضة الثاني رقماً مهماً في الخارطة الانتخابية في تركيا، والجميع يحسب حسابه بالنظر إلى أنه يمثل كتلة انتخابية ضخمة، وبإمكانه التأثير على نجاح أي مرشح رئاسي، وانتخابات رئيسي بلديتي استانبول وأنقرة خير دليل على ذلك، كما أنه يستطيع التأثير على أي قرار أو توجه في البرلمان عبر العدد الوازن لنوابه، إنه بحق بيضة القبان، وكما قال السيد صلاح الدين دمرتاش فإن الكرد سيحددون اسم الرئيس القادم لتركيا، ومن المتوقع أن تكون حظوظه أكبر في هذه الانتخابات.
-3-
إن التوقعات القائمة على الحقائق الموجودة على الأرض تشير إلى خسارة أردوغان وحزبه لأسباب عديدة من أهمها أن الشعوب في تركيا قد ملت من سياساتهما خلال عقدين من الزمن، وأصبحت تميل إلى التغيير، ليس فقط حباً في التغيير وإنما لأن أردوغان وحزبه بمواقفهما المعروفة قد فشلت سواء داخل تركيا أو خارجها، فعلى الصعيد الداخلي هناك تذمر واسع من تراجع المستوى المعيشي ومن تدهور قيمة الليرة التركية ومن صعود الدكتاتورية، وعلى المستوى الخارجي فقد فشلت معظم سياسات أردوغان الخارجية، وأصبحت تركيا تعاني من عزلة دولية، وفي المقابل فإن حزب الشعب الجمهوري وهو حزب أتاتورك مقبول من قبل قطاع واسع من القوميين الأتراك العلمانيين، ويشكل المتحالفون معه وقسم منهم كانوا في حزب العدالة والتنمية ومع أردوغان وانشقوا عنه، وحزب الجيد كان من الحركة القومية التركية، إن تلك الجهات المعارضة في الطاولة السداسية بتوجهاتهم المختلفة يشكلون قوة لا يستهان بها، ويضاف إلى كل ذلك قوة الحزب اليساري الأخضر الذي بإمكانه تغيير الموازين.
-4-
في الحقيقة لا يمكن اعتبار أي من أردوغان وحلفائه أو أوغلو وحلفائه مؤيدين للشعب الكردي، أو منفتحين على إيجاد حل للقضية الكردية، ولهذا فإن على الكرد أن يعتمدوا على قوتهم وقوة حلفائهم، وأن يختاروا أفضل السيئين، ويدرك الحزب اليساري الأخضر وكل الكرد هذه الحقيقة تماماً، وسياسات هذا الحزب تقوم على هذا الأساس بالنظر إلى التجربة الطويلة للكرد مع هذه القوة أو تلك، إذ حتى الآن تتحاشى الطاولة السداسية التقرب من الحزب اليساري الأخضر وبخاصة في ظروف الحملة الانتخابية خوفاً من تهمة الانفتاح على الكرد، وعلى ذلك اقتصر التفاهم بينهما على اتفاقات سرية بهدف أن يكسب أوغلو أصوات الكرد في الانتخابات الرئاسية، وأما أردوغان وتحالفه فهو مكان استياء عارم من الكرد، ومن المتوقع أن تقل أصواته بين الجماهير الكردية.
إن المهمة التي تقع على كاهل الحزب اليساري الأخضر كبيرة جداً، وعليه أن لا يقع في أخطاء جوهرية، إن مهمته الرئيسية هي أن يكون صادقاً مع سياساته وتوجهاته الرئيسية ومع قاعدته الشعبية، حاضنته التي هي أساس قوته، وعليه العمل على تعميق تحالفاته مع المكونات القومية والقوى والمجموعات اليسارية والديمقراطية، وقبل كل شيء بين أوساط الشعب الكردي، والعمل على كسب أكبر عدد من الأصوات لأن قوته تنبع من التفاف الكرد والأرمن والسريان واللاز والعلويين والمجاميع اليسارية والديمقراطية حوله.
وبهذه المناسبة فإننا نناشد كل تلك الجهات بالالتفاف حول الحزب اليساري الأخضر من أجل إرسال أكبر عدد من ممثليهم إلى البرلمان.
بالتأكيد لا يمكن تحقيق كل الأهداف من خلال هذه الانتخابات، وإنما ندعوا أن تكون هذه الانتخابات قفزة نحو تحقيق الأهداف الكبرى.