افتتاحيات الجريدة

تطورات الأوضاع في المنطقة وفي روج آفا – شمال وشرق سوريا

العدد (444)

-1-

   استمرت التهديدات التركية خلال الفترة المنصرمة بشن هجوم واسع على مناطق شمال وشرق سوريا، وجاءت تلك التهديدات من أعلى المستويات في القيادة التركية، وترافق ذلك مع بعض الاستعدادات العسكرية، وقد غطى الإعلام الدولي والمحلي تلك التهديدات بكثافة.

   قبل كل شيء فإن الهجوم التركي على روج آفاي كردستان – شمال وشرق سوريا هو حاجة تركية استراتيجية ينسجم مع جوهر السياسة التركية في عدم نجاح الكرد في بناء أي كيان سياسي خاص بهم، وينبثق أيضاً من مضمون الميثاق الملي التركي بإعادة كامل الشمال السوري وبما في ذلك مدينة حلب وكذلك الموصل وكركوك إلى الدولة التركية باعتبارها من الممتلكات العثمانية، وكذلك فإن السياسة التوسعية التركية في المنطقة والعالم تسير جنباً إلى جنب مع السياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة والعالم، وهما سياستان متنافستان حالياً وقد تتصادمان في المستقبل، وكذلك فإن الهجوم التركي هو حاجة تركية أمنية سواء لأسباب انتخابية أو لتوجيه الأنظار إلى الخارج بهدف إخفاء الإخفاقات الداخلية سواء كانت فشل سياسات أردوغان الخارجية أو تدهور الاقتصاد التركي وانهيار الليرة التركية أو التضييق على الحريات العامة وتراجع شعبية أردوغان وحزبه وكل مؤشرات سقوطه في الانتخابات القادمة في حال عدم تحقيق انتصار ما.

   يعرف الجميع أن النقطة المركزية في أي هجوم تركي على روج آفا – شمال وشرق سوريا هو البعد الدولي لأن المسألة السورية مدولة من قبل الدول الكبرى سواء كان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أو كانت روسيا وكذلك من قبل الدول الإقليمية كإيران والدول العربية، وبالتالي فإن تنفيذ أي هجوم تركي على هذه المنطقة يجب أن يتم بموافقة الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك موافقة روسيا وحلفائها.

   تستغل تركيا ظروف الحرب في أوكرانيا وآثارها الدولية للضغط على الولايات المتحدة وحلف الناتو للحصول على موافقتها لشن عدوانها، وكذلك للضغط على روسيا وحلفائها للحصول على موافقتها بشن هذا العدوان وقد أخذت الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية وجميع القوى السياسية التهديدات التركية على محمل الجد وكان لا بد من أخذ كافة التدابير اللازمة لإفشال العدوان التركي المحتمل، وهي تدابير عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية.

   تظهر التجربة العملية بأن العمل السياسي والدبلوماسي والعلاقات الدولية مهم جداً ولا بد من خوضها بنشاط وإظهار نقاط قوة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية في سياق عمل دبلوماسي متكامل، ولكن مع أهمية هذا العمل فإنه غير كاف فإلى جانبه يجب أن تكون هناك تحضيرات داخلية وخطوات عملية لتمتين الجبهة الداخلية من نواحي توحيد نضال الشعب وتعميق التجربة الديمقراطية والاهتمام بمصالح الشعب وتحسين معيشته.

   إن العمل النشيط في إطار (الجبهة الخارجية) أي تعزيز البعد الدولي المساند للإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وتعزيز وتمتين الجبهة الداخلية هما العاملان الرئيسان في إفشال العدوان التركي أو أي عدوان آخر على روج آفاي كردستان – شمال وشرق سوريا.

-2-

   كان هناك حدثان مهمان في شهر تموز الحالي تمتد آثارهما إلى عموم منطقة الشرق الأوسط وقد تمتدان إلى النطاق العالمي، الحدث الأول كان زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، وتحديداً إلى إسرائيل والعربية السعودية، في زيارته إلى إسرائيل عمل بايدن من أجل تطمين إسرائيل من أي عدوان محتمل ضدها، وأكد على التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعدم امتلاك إيران للسلاح النووي، وتعهد بالعمل من أجل تعويم إسرائيل بمساعدتها على تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، وطمأن الفلسطينيين بأن أمريكا ستعمل لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين، وأما في السعودية فقد عمل بايدن على إعادة اللحمة إلى العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، تلك العلاقات التي كانت قد تضررت في الفترة السابقة على خلفية مقتل الخاشقجي وذلك بتطمين ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، كما عمل على موافقة الرياض بزيادة إنتاجها من النفط والغاز لتزويد الغرب بحاجتها من المادتين، والإعلان بأن العلاقة بين الولايات المتحدة والعربية السعودية ودول الخليج هي علاقات استراتيجية، وأن الولايات المتحدة تكفل أمنها واستقرارها ضد التهديدات الإيرانية، وأنها لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وكان هناك اتفاق بين الجانبين حول مجموع المسائل التي طرحت في الاجتماعات.

   وكان اجتماع الرئيس الأمريكي بزعماء مصر والأردن وسائر دول الخليج مهماً للغاية، إذ عمل بايدن من أجل توحيد عمل تلك الدول ضد إيران بالدرجة الرئيسية واتخاذ مواقف واضحة تجاه كل من روسيا والصين في ظل دعاية واسعة لإقامة حلف أطلق عليه (ناتو عربي)، وكانت تصريحات بايدن واضحة للغاية إذ أكد بأن الولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط، وأنها لن تحدث فراغاً تملؤه روسيا والصين وإيران، كما أكد بأن الولايات المتحدة ستقف مع حلفائها، ولن تسمح بزعزعة استقرار المنطقة، كما عمل بايدن أيضاً من أجل انفتاح عربي على إسرائيل وتطبيع العلاقة مع الأخيرة التي ستحتل دوراً بارزاً في التصدي لإيران.

   وأما الحدث الثاني فكانت قمة طهران بين رؤساء كل من روسيا وإيران وتركيا، وواضح أن هذه القمة كانت رداً على قمة بايدن مع الزعماء العرب، وفي هذه القمة حاول كل بلد أن يحقق مصالحه، ولكن النتيجة لم تكن كذلك فقد تعززت العلاقات الروسية – الإيرانية، وكانت تركيا هي الخاسرة لأنها لم تحصل على ما تريد بخصوص شن حملة عسكرية على شمال وشرق سوريا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تركيا كعضو في حلف الناتو لن تستطيع الدخول في تحالف مع روسيا وإيران ضد الولايات المتحدة والغرب عموماً، طبيعي أن أهداف قمة طهران كانت لمواجهة أهداف ونتائج زيارة بايدن إلى المنطقة، ولم يتم تحقيق هذا الهدف وفق مراقبين.

-3-

   بخصوص التهديدات التركية بشن هجوم على شمال وشرق سوريا فقد انتهى الحدثان بما لا يرضي تركيا، ففي طهران أكد المرشد خامنئي لأردوغان بصراحة بأن إيران لن تقبل أي هجوم تركي على شمال وشرق سوريا، وكذلك فعل الرئيس الإيراني، ومن جانبه أكد الرئيس الروسي أيضاً على الموقف الروسي بعدم قبول هذا الهجوم، وصرح بأن حل الأزمة السورية يجب أن يكون سياسياً بين السوريين، وأما في القمة الأخرى، قمة بايدن مع الزعماء العرب فقد أكد بايدن على أن الولايات المتحدة لن تقبل بزعزعة استقرار المنطقة، وأنها ستعمل مع حلفائها على الحفاظ على أمن المنطقة، ثم تتالت التصريحات الأمريكية بعدم قبول شن هجوم تركي على شمال وشرق سوريا، وتشكل أيضاً موقف عربي مماثل.

   لقد كان روج آفا – شمال وشرق سوريا حاضراً بقوة في القمتين، وهذا تطور مهم جداً للقضية الكردية، إذ أصبح روج آفاي كردستان يحتل الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية بجدارة ويجذب الاهتمام الدولي من أعلى المستويات، والمهم أكثر هو حماية هذه الأبعاد الثلاثة.

   لم تحصل تركيا على ضوء أخضر من أية جهة دولية، أو إقليمية بالعدوان على شمال وشرق سوريا، وباءت كل محاولاتها بالفشل، وأصبح من غير الممكن أن تشن الحملة التي كانت تريدها، غير أنها قد ترتكب حماقة، ولهذا كله يجب أن تكون الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية وكل مكونات شمال وشرق سوريا وقواها السياسية والاجتماعية على يقظة تامة، وأن تبدأ في البناء، تطوير القوات العسكرية، تطوير الاقتصاد، الاهتمام بالزراعة والطاقات الإنتاجية، تعميق التجربة الديمقراطية، وحدة الصف الكردي ووحدة كافة مكونات شمال وشرق سوريا، تطوير الصحة والتعليم، ورفع المستوى المعيشي للشعب وتحسين الخدمات المقدمة للشعب.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى