بيانات

توضيح موقف

   بعد أن تم إقرار مسودة (الميثاق الأساسي لحل القضية الكردية في سوريا) من قبل اللجنة التحضيرية التي تشكلت من قبل عدد من الأحزاب الكردية المشاركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية بالإضافة إلى مشاركة المؤتمر القومي الكردستاني KNK، فوجئنا أن بعض الأطراف لجأت من خلف الكواليس، وبشكل غير رسمي إلى إلغاء تلك المسودة وإصدار ميثاق بديل.

   في الميثاق البديل تم التخلي عن (اللامركزية السياسية) واستبدلت بـ (بنظام لامركزي) دون توضيح مفهوم هذا النظام اللامركزي، كما تم التخلي عن المطالبة بالاعتراف الدستوري بالإدارة الذاتية من أجل تحقيق سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية سياسية، وبطبيعة الحال فإن الموضوعان مترابطان ذلك لأن اللامركزية السياسية والإدارة الذاتية تشتركان جوهرياً في إقامة حكومات محلية تدير شؤون إداراتها ولها قوانينها وصلاحياتها الخاصة التي تمنع تغول المركز على قراراتها التشريعية والتنفيذية والقضائية.

   يهمنا في الحزب اليساري الكردي في سوريا أن نوضح موقفنا إزاء ما جرى، وبالتالي تحديد موقف الحزب من هذا الميثاق.

أولاً- اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية:

   اللامركزية السياسية أسلوب من أساليب الحكم يتصل بوحدة الدولة السياسية، فيتضمن سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء، وهذا النوع من أنواع النظم لا وجود له إلا في الدولة المركبة أي (المتحدة) اتحاداً فيدرالياً، والذي بمقتضاه يكون لكل إقليم من الأقاليم المكونة لدولة الاتحاد جميع سلطات الدولة من تشريعية وتنفيذية وقضائية، وهي تحمل في الواقع صفة الحكومات المحلية.

   تمارس الأقاليم بصورة طبيعية سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا يحدها في ذلك إلا ما قد يرد النص عليه على سبيل الحصر في دستور دولة الاتحاد من مسائل هي في الأساس من صلاحيات المركز، وهي مسائل الدفاع والأمن القومي والخارجية والتمثيل الدبلوماسي، وكذلك المالية، وما عدا ذلك فلكل إقليم على حدة الحق في مباشرة أعماله التشريعية والتنفيذية والقضائية بصورة مستقلة عن المركز، وفي نفس الوقت الذي يتمتع فيه كل إقليم بسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإن له ممثلين بحسب حجم الإقليم وعدد سكانه في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في المركز، ولا يمكن تعديل اللامركزية السياسية إلا بتعديل الدستور، ويكون ذلك بعد استفتاء شعبي أو بالتوافق.

   وأما اللامركزية الإدارية فهي أيضاً أسلوب من أساليب الحكم، وهي موجودة في الدولة الموحدة أو البسيطة التي تتمتع بوحدة كيانها السياسي أي وحدة التشريع والتنفيذ والقضاء، أي أن كل ذلك من اختصاص حكومة المركز فقط، وأن محافظاتها أو ولاياتها أو أقاليمها ليست حكومات محلية، بل لا تعدو أن تكون مجرد وحدات إدارية إقليمية يقتصر دورها على ممارسة أنشطة إدارية بحتة وفقاً لما يفوض لها أو ينقل إليها من قبل السلطات الحاكمة في العاصمة المركزية، ومن ثم لا شأن لها بوظيفتي التشريع والقضاء، حيث تظل هذه الأمور مركزة في يد السلطات المركزية في العاصمة، كما يمكن تعديل الإدارة المحلية فقط بقانون من المركز.

   من خلال هذه المقارنة المقتضبة يتضح لنا مدى الفرق بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية، وهي فروق تتصل بطبيعة الحكم، وبطبيعة النظامين وجوهرهما، لأن الأساس في هذه الفروق ينبع من الشكل الدستوري في كل دولة من الدول المركبة والدول البسيطة، فاعتناق الدولة الشكل الفيدرالي يستتبعه بالضرورة قيام اللامركزية السياسية باعتبارها نتيجة طبيعية لمثل هذا الشكل من الدول، أما في الدولة البسيطة فلا يمكن قيام هذا النوع من اللامركزية، وإنما قد توجد لامركزية إدارية بحتة لا تتمتع بمهام التشريع والقضاء وهذه توجد في الدول البسيطة والمركبة على حد سواء، وجدير بالذكر أن اللامركزية الإدارية ( الإدارة المحلية) موجودة في سوريا منذ عام 1972 فقد صدرت بالقانون رقم /107/ ويعرف الجميع كيف سارت هذه الإدارة المحلية، ويعرف الجميع أنها فشلت ولم تحقق شيئاً بسبب سطوة المركز إضافة إلى سيطرة الأجهزة الأمنية على كل مقدراتها.

ثانياً – الإدارة الذاتية الديمقراطية:

   في ظرف تاريخي متميز، وفي خطوة جريئة ومباركة تم تشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية في كل من الجزيرة وكوباني وعفرين، ثم تطورت إلى الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، ولها مجالسها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتدير جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى الأمنية لجميع مكونات الإقليم وفي مقدمتهم الكرد.

   صحيح أن هذه الإدارة ليست كردية صرفة أو عربية صرفة أو سريانية صرفة، ولكنها تؤمن حقوق جميع المكونات في إطار الإقليم من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتؤمن أيضاً مشاركتها الفعلية في الإدارة بكشل حر وديمقراطي.

     منذ البداية لم تطرح الإدارة الذاتية الديمقراطية لمناطق روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا فقط، أي لم تطرح للكرد فقط، وإنما طرحت على مستوى كامل الجغرافيا السورية كنموذج لنظام الحكم في عموم البلاد، ومعلوم أن كل إدارة ذاتية تدير شؤونها في ما يتعلق بمسائل التشريع والتنفيذ والقضاء بشكل مستقل، وهو ما يشكل أساس الطرح الذي نقدمه وهو أن سوريا المستقبل يجب أن تكون (سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية سياسية)، وواضح أن الطرحين، أي الإدارة الذاتية واللامركزية السياسية هما طرح واحد وينبع من منبع واحد، وأن التخلي عن اللامركزية السياسية يعني التخلي عن جوهر الإدارة الذاتية الديمقراطية.

   يرى حزبنا أنه ليس هناك أي تناقض في رؤية حزبنا بين ما يطرحه من اللامركزية السياسية، وبين نموذج الإدارة الذاتية، بمعنى أنه في كلتا الحالتين يتم توزيع سلطات الحكم من تشريعية وتنفيذية وقضائية بين المركز والأقاليم، الأقاليم لها سلطاتها ومجالسها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتدير حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في نفس الوقت الذي تشارك فيه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في المركز بحسب حجمها وعدد سكانها، ويختص المركز بمسائل الدفاع والسياسة الخارجية والمالية، وبذلك ينتهي تغول المركز على الأقاليم، وتبدأ حياة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة في سوريا، ويشارك فيها جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم في الحياة السياسية في البلاد، وتحقق فيها جميع المكونات السورية خصوصيتها القومية والدينية والمذهبية، وهكذا تكون سوريا فعلاً لجميع السوريين.

   إن سوريا دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، هناك تنوع اجتماعي وثقافي واضح في تركيبة الشعب السوري والدولة السورية، ولكي تكون سوريا دولة ديمقراطية حقيقية فلا بد لها أن تأخذ هذا التنوع بعين الاعتبار وأن تحترمه، وبهذا فقط يمكن أن تكون سوريا دولة متحدة وقوية، وبدون ذلك لا يمكن حتى تصور دولة سورية ديمقراطية، وهذا التنوع الاجتماعي والثقافي يقتضي بالضرورة طرح مفهومي اللامركزية السياسية والإدارة الذاتية الديمقراطية بالمعنى الذي نقدمه.

   بما أن مفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية، ومفهوم اللامركزية السياسية إنما يصبان في اتجاه واحد، وفي هدف واحد، فإننا نعتبر التراجع عن صيغة اللامركزية السياسية إنما هو تراجع في الوقت نفسه عن جوهر مفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية، وهذا ما نرفضه، وانطلاقاً من هذا المفهوم فإننا ندافع بقوة عن البند رقم /9/ في مسودة الميثاق الذي يؤكد على (تشكل الإدارة الذاتية الديمقراطية ضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية متعلقة بظروف البلاد وحاجات المنطقة التي أنتجتها الأزمة الراهنة، وحلاً أساسياً لقضايا التنوع القومي والعرقي والديني والطائفي، ومن المهم الاعتراف الدستوري بالإدارة الذاتية والاستفادة منها لحل الأزمة السورية وتحقيق سوريا ديمقراطية تعددية لامركزية سياسية) ونرفض التلاعب بهذا البند على نحو ما جرى في الميثاق البديل، ونعتبر هذا البند شرطاً أساسياً للتوافق في أي حوار مع أي نظام سوري، وفي أي توافق مع أطراف الحركة الوطنية الكردية في سوريا.

   في الميثاق البديل تم إلغاء البند رقم /3/ في مسودة الميثاق الأساسي لحل القضية الكردية والذي يتضمن: “وضع دستور توافقي للبلاد يضمن إقامة نظام سياسي ديمقراطي يعترف بالتعدد ويضمن حقوق الشعب الكردي وحقوق جميع المكونات في سوريا” واستعيض عنه ببند يتضمن: “وضع دستور يتضمن مواد فوق دستورية متفق عليها يضمن حقوق جميع المكونات السورية”.

   وهنا نرى أن الأساس هو الدستور التوافقي حيث لا يمكن الوصول إلى نقطة المواد فوق الدستورية قبل الوصول إلى نقطة الدستور التوافقي، وعليه فإن المواد فوق الدستورية توضع كلاحقة للدستور التوافقي وليس بإلغاء الدستور التوافقي.

   انطلاقاً من كل ما تقدم فإننا في الحزب اليساري الكردي في سوريا نؤكد على مسودة الميثاق الأساسي لحل القضية الكردية في سوريا التي أنجزتها وأقرتها اللجنة التحضيرية التي كلفت بإعداد مسودة: (الميثاق الأساسي لحل القضية الكردية في سوريا) وبمن فيهم ممثل KNK والتي كان من المقرر عرضها على الكونفرانس، وفي الوقت نفسه فإننا لا نوافق على الميثاق الأساسي لحل القضية الكردية في سوريا البديل – المعدل من قبل أربعة أحزاب فقط دون مشاركة اللجنة التحضيرية الرسمية بشكل فعلي، كما نؤكد على موقف حزبنا الثابت بأن القضية الكردية في سوريا قضية أرض وشعب، ونرى أيضاً بأن اللامركزية السياسية وجوهر الإدارة الذاتية الديمقراطية هما الضمانتان الحقيقيتان لتأمين الحقوق القومية والديمقراطية للشعب الكردي ولجميع المكونات السورية على حد سواء.

12/8/2024

                                                                                                 اللجنة المركزية

                                                                                   للحزب اليساري الكردي في سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى