تتصدر الأزمة السورية أبرز عناوين الصحف العالمية ولها وقع مؤلم في أروقة ومحافل الساحة السياسية العالمية من حيث عمق الأزمة وتشعبها بالنسبة للدول الإقليمية والأقطاب العالمية، والتسابق الإقليمي والدولي على استقطاب جهات مسيطرة على نقاط الخارطة السورية، وبين كل تلك التشعبات لم يتم التوصل إلى خارطة ممهدة للبدء بالحل السلمي وإنهاء لغة العسكرتاريا المفروضة منذ أكثر من عشرة سنوات وذلك بفضل عدوان تركيا وعبودية الفصائل المسلحة التابعة لها وتعنت النظام السوري ورهانه المأمول في السيطرة الكلية من جديد.
بعد فشل المؤتمرات المنعقدة حول الواقع السوري، خارجياً، وعدم التوصل إلى أية تفاهمات من شأنها رسم خارطة طريق للحل، وبعد مؤتمرات كثيرة حول ضرورة الوصول إلى نقطة بداية للحل داخلياً، بات الواقع يتأزم أكثر والأزمة تصبح قلقاً للشعوب السورية بعد كل ذلك الموت والهجران والنزوح.
ضمن هذا الواقع الفوضوي، المتأزم والمحزن حقاً ورغم أن روجآفا تعد الجغرافيا الأكثر ازدهاراً، وتفاؤلاً مقارنة بالمناطق الساخنة المدماة في سوريا، فإن روجآفا ذاتها أمام تحديات كبيرة وكثيرة، أولها ضرورة استتباب الأمن أكثر، والحفاظ على ما تبقى من استقرار في مناطق روجآفا وصولاً إلى مناطق شمال وشرق سوريا، والاعتراف بأن الإدارة الذاتية كانت إدارة منقوصة وغير كاملة، وأنها كانت حالة استثنائية ويجب تطويرها وازدهارها والاهتمام بها قلباً وقالباً أكثر وأكبر من حيث تحسين الواقع المعيشي للمواطنين الصامدين رغم كل الصعوبات والمعارك المفروضة وقبول المعارضة الايجابية، خاصة وأن روجآفا في تحديها الجديد يجب أن تنجح في تتويج الحوار الكردي – الكردي بسرعة فائقة خاصة وأن المبادرة في أساسها كردية سورية والمفاوضون كرد سوريون يمثلون أطراف سياسية عريقة، والواقع لم يعد يسمح لهم بخلق عراقيل أمام إنجاح تلك المفاوضات التي بات الشعب الكردي يعول عليها ناسياً همومه وأحزانه اليومية متطلعاً إلى توافق كردي – كردي يرسم ملامح مستقبله المقبل بعد حاضر منكوب وماضي عصيب جداً.
رغم توقف تلك المفاوضات لأمد قصير إلا أن البدء به بات حاجة ملحة وأكثر من ضرورية، والراعي الأمريكي بات يتوجس من تطويل عمر هذه المفاوضات في ظل التهديدات الداخلية من قبل النظام والتهديدات الخارجية من قبل تركيا، والكرة في الملعب الكردي الآن.
هناك أطراف تريد عرقلة الحوار وتعمل على فشله، ولكن هذه الأطراف بكل تأكيد لن تنجح في مسعاها، ولكنها تستطيع زعزعة الاستقرار في تلك الجغرافيا المستقرة، وتستطيع زرع الخوف والهلع إذا ما استمرت في مخططاتها دون رادع قوي، وما ضرب وإحراق مكاتب بعض الأحزاب السياسية المختلفة عن توجهات الإدارة الذاتية إلا نوع من التحدي الجديد أمنياً حيال الإدارة الذاتية في روجآفا، لأنه بطبيعة الحال المسؤولية الأمنية تقع على عاتق قوات أسايش روجآفا، ومن مهامها الرئيسة حماية المكاتب والمقرات الحزبية كلها بما فيها المختلفة إيديولوجياً وهذه مهمة أمنية يجب أن تعمم على الجميع، لأن الإدارة الذاتية من أهم مسؤولياتها النظر إلى الأطراف السياسية بعين واحدة ولو كانت تسمي نفسها بالمعارضة، فكل تجربة بحاجة إلى معارضة وخاصة إن كانت تلك المعارضة كردية سورية، وتنتقد الإدارة الذاتية الكردية، وهذه نقطة ايجابية ويجب أن تسجل للقائمين على تلك الإدارة وإن إلقاء القبض سريعاً على مفتعلي تلك المشاكل والعراقيل من قبل قوات الأسايش أوجد ارتياحاً عاماً لدى الأطراف السياسية، وهذه مهمة ليست بالمستحيلة على الإدارة الذاتية التي لها مؤسسات أمنية مهنية، حافظت على الأمن والأمان رغم الفوضى في مناطق أخرى وحافظت على السلم الأهلي رغم الحرب الطائفية في المناطق السورية الأخرى.
التقارب الكردي يواجهه تحديات كثيرة، والإدارة تواجهها في الوقت ذاته تحديات أيضاً، ووسط أتون هذه الأزمة الخانقة على الجميع القيام بمهامه ومسؤولياته حيال روجآفا سياسياً وأمنياً، لأنها الحلم الكردي المتوج ويجب الحفاظ عليها رغم المخاطر المحدقة بها من لدن أعداء كثر، وتمتينها وتقويتها أيضاً تظل مسؤولية الجميع بغض النظر عن الاختلافات الآيديولوجية والانتماءات الأخرى، الداخلية والخارجية، الكردستانية والإقليمية.
فتح الله حسيني