-1-
بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، توقعنا أن لا تعود تركيا إلى العدوان المباشر على مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية بمعنى الاجتياح العسكري واحتلال مزيد من الأراضي في مناطق الإدارة الذاتية بسبب الخطوط الحمراء التي وضعت من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وحتى عدم موافقة روسيا على مثل هذا العمل، ولكننا توقعنا في الوقت نفسه أن تستمر تركيا في عمليات الاغتيالات لكوادر ومسؤولي الإدارة الذاتية عبر الطائرات المسيرة، واستمرارها في القصف المدفعي لبعض المواقع والقرى الآمنة بهدف ضرب الأمن والاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية من جهة، وأيضاً بهدف تجييش الرأي العام التركي، وإبعاد أنظاره عن الوضع الاقتصادي المتردي وفشل سياسات تركيا في المنطقة والعالم.
لقد صحت توقعاتنا تماماً، فقد خرجت العديد من الشخصيات الأمريكية العسكرية والمدنية التي تحدثت بصراحة عن الموقف الأمريكي بعدم قبول أية اجتياحات برية تركية لمناطق الإدارة الذاتية، لأن ذلك يضعف محاربة داعش من جهة، ويخلق حالة من عدم الاستقرار في منطقة شركائها في قوات سوريا الديمقراطية، ولأن ذلك يعرض سلامة جنودها للخطر من جهة أخرى وبالفعل امتنعت تركيا عن القيام بمثل هذا العمل، لكنها في نفس الوقت استمرت في أعمال القصف المدفعي والقصف بطائرات الدرون، وأدى ذلك إلى استشهاد وجرح العديد من موظفي الإدارة الذاتية بمن فيهم مسؤولين في الأسايش، واستمرت كذلك في القصف المد\فعي للعديد من القرى، ولم تقف تركيا عند هذا الحد فقط، بل اتبعت معه أساليب الضغط السياسي والاقتصادي، فقننت مياه نهر الفرات الأمر الذي أضر بالزراعة وتوليد الطاقة الكهربائية، وحرضت بعض الجهات على معاداة الإدارة الذاتية ووسعت من أعمالها الاستخباراتية.
رأت تركيا في فتنة دير الزور فرصة سانحة للتحرك أكثر ولتشديد محاربة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وبالفعل فقد سخنت الجبهة، إذ قامت بقصف مناطق منبج وحاولت دخول بعض القرى، كما قصفت بشكل واسع العديد من القرى في مناطق عين عيسى وتل تمر وزركان، وحاولت إرسال مرتزقتها لنجدة تمرد دير الزور، ولكن قوات سوريا الديمقراطية أفشلت جميع هذه العمليات، ومع ذلك فإن تركيا لم تتراجع لحظة واحدة عن سياستها العدوانية، وحاولت الاستفادة من كل الفرص لتحقيق مراميها المعادية للشعب الكردي ليس فقط في روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا، وإنما للشعب الكردي في عموم أجزاء كردستان.
-2-
لم تتوقف جرائم القصف المدفعي والقصف بطائرات الدرون وأعمال الاغتيالات الجبانة لحظة واحدة، كانت تشمل جميع مناطق الإدارة الذاتية بدءاً من شيراوا ومروراً بمنبج ومناطق الشهباء وكوباني وعين عيسى، ومناطق تل تمر وزركان، وتستهدف المدنيين والقرى الآمنة، ومؤخراً تحججت تركيا بعملية أنقرة حيث صرح وزير خارجيتها بأن كل المنشآت الحيوية والبنى التحتية في شمال وشرق سوريا وكذلك إقليم كردستان العراق هي أهداف مشروعة للجيش التركي، وبالفعل فقد شنت تركيا غارات واسعة بالطائرات الحربية وطائرات الدرون على العديد من الأهداف في مناطق الإدارة الذاتية شملت قصف المنشآت النفطية والكهربائية ومنشآت الغاز والمستشفيات والسدود وبعض مواقع القوى الأمنية والعسكرية، وبشكل عام فقد هدف الهجوم التركي تدمير البنية التحتية في شمال وشرق سوريا، وبالفعل فقد تمكن العدوان التركي بإلحاق أضرار بالغة بالبنية التحتية.
إن تذرع تركيا بعملية أنقرة كذبة كبرى لأنها بالأصل كانت مستمرة بعدوانها، ولم تتوقف عن أعمال القصف العدوانية لحظة واحدة حتى قبل عملية أنقرة، وستستمر في انتهاكاتها العدوانية في المستقبل أيضاً سواء على شمال وشرق سوريا أو في مناطق جنوب كردستان، واستغلالها لذريعة عملية أنقرة لن ينطلي على الشعب الكردي، وفي الأساس فإن تركيا لا تخفي عداءها للإدارة الذاتية وإنما تعلنه بشكل واضح وصريح، وترتكب كل الجرائم والموبقات لإلحاق الضرر بها، والصراع بين الجانبين واضح ولا يخفى على أحد.
إن أهداف تركيا بضرب المنشآت الحيوية في مناطق الإدارة الذاتية مثل النفط، الغاز، الكهرباء، السدود والمستشفيات – هي جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني ولكن تركيا لا تسأل عن كل ذلك فكثيراً ما استعملت أسلحة الدمار الشامل (الأسلحة الكيميائية) في حربها ضد الكريلا وتملصت من العقاب – تتركز حول الأضرار بمعيشة الشعب واحتياجاته الرئيسية اليومية وإلحاق خسائر اقتصادية واجتماعية بالإدارة الذاتية، وبالتالي خلق حالة عدم رضى شعبي عن أداء الإدارة الذاتية، وأيضاً لإبعاد أنظار الشعب التركي عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تركيا وكذلك للتغطية على فشل سياسات أردوغان في المنطقة والعالم.
إن تركيا تمارس العدوان بشكل مستمر، تقصف وتقتل، وتقوم بالتغيير الديموغرافي، تخطف المواطنين الكرد، تعذبهم، تنهب ثرواتهم، تنهب آثارهم وتخرب أوابدهم التاريخية، ومع ذلك لم نشهد المجتمع الدولي وبعض المستفيدين يستنكر ذلك، ولكنه يتباكى على عملية صغيرة استهدفت جهة أمنية تركية ولم تنجم عنها أية خسائر، إنها سياسة المصالح وليست سياسة العدالة، إنهم يحترمون القوة فقط.
إن الموقف التركي واضح جداً، إنه يكمن في محاربة القضية برمتها، وهي بحربها ضد الشعب الكردي وحركته الوطنية إنما تحارب نجاحات هذا الشعب، وهي لا تنتظر الذرائع والمبررات لشن عدوانها لأن مواقفها معلنة سلفاً وممارساتها على الأرض تنسجم مع تلك المواقف المعادية لتطلعات الشعب الكردي على طول الخط، وإذا كان البعض يظن بأن تركيا تنتظر الذرائع فإنهم مخطئون، أو أن بعضهم يبررون العدوان التركي لأسباب تخصهم.
-3-
صرح أردوغان أمام وسائل الإعلام العالمية معلقاً على مجريات الحرب في غزة، فقال بالحرف: “أي حرب تعتمد على قطع المياه والكهرباء والطرق، وتدمير البنية التحتية ودور العبادة والمدارس تسمى مجازر”، وقال عن قصف المدنيين: “قصف المدنيين حروب إبادة”. في الوقت الذي يقوم هو نفسه بكل هذه الأعمال، فماذا نسمي سلوك تركيا أردوغان؟ ولماذا تخرس ألسنة هؤلاء الذين يدينون هجوم أنقرة عن هذه الحقيقة؟ حقيقة أن تركيا تقوم بارتكاب المجازر ضد شعبنا الكردي وترتكب حرب إبادة بحقه.
لقد أصبحت عملية أنقرة مضغة في أفواه البعض، بعض الذين لم يخرج أحد منهم للمشاركة في مراسم تشييع شهيد واحد من آلاف الشهداء لكي ينهالوا بالسب والشتم لحزب العمال الكردستاني ولقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، وكأن النظام التركي كان مسكيناً وجالساً في بيته، ولكن حزب العمال الكردستاني بعملية أنقرة دفعه دفعاً للهجوم على روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا، هم يعتبرون هذه العملية إرهابية، وأما تركيا فهي مسالمة ومن حقها أن ترد على الأعمال الإرهابية لحزب العمال الكردستاني.
إنها جوقة أضاع قسم منهم البوصلة فأخطأ، وأما القسم الآخر فقد تم تجميعه من قبل مشغليه في تركيا، مهمته محاربة قسد والإدارة الذاتية بكل الأشكال، وقبل كل شيء بما ينشرونه كطابور خامس على منصات التواصل الاجتماعي من شتائم واتهامات، ومن تضليل للرأي العام الكردي والعالمي.
من حق حزب العمال الكردستاني أن يقوم بعمليات ضد جميع الجهات العسكرية والأمنية التركية في أي زمان ومكان، وهي عمليات مشروعة طالما يقوم النظام التركي بالعدوان على روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا، وعلى جنوب كردستان، وطالما يقوم بارتكاب كل الجرائم والموبقات بحق عموم الشعب الكردي.
-4-
في الوقت الذي ساد فيه العنف والتصعيد العسكري التركي على روجآفاي كردستان – شمال وشرق سوريا، وبالتزامن معه فقد امتد هذا التصعيد إلى باقي المناطق في سوريا، وكان قصف الكلية الحربية في حمص أثناء الاحتفال بتخريج دفعة من الطلاب الضباط بطائرة مسيرة، أدى إلى قتل وجرح حوالي /200/ منهم ومن ذويهم الذين قدموا للمشاركة في الاحتفال علامة بارزة أخرى على المضي في سياسة التصعيد العسكري، ولأن النظام اتهم المعارضة بهذا الهجوم قام من جهته بهجمات انتقامية على مناطق المعارضة بالاشتراك مع الطيران الروسي، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى كثيرين بين المسلحين والمدنيين، ولازالت هذه الهجمات مستمرة، وبعد اشتعال الحرب في غزة بين حركة حماس وإسرائيل يبدو أن التصعيد والمزيد من العنف سيكون سيد الموقف، لأن هذه الحرب قد تتجاوز حماس وإسرائيل، وتكون لها امتدادات خارجية، خاصة وأنه ومنذ الأيام الأولى قصفت إسرائيل مطاري دمشق وحلب الدوليين وأخرجتهما عن الخدمة.
إن هذا التصعيد العسكري الجديد في جميع أنحاء سوريا يعمق الأزمة أكثر فأكثر، ويعيق أي جهد للعمل من أجل إيجاد حل للأزمة في وقت بات فيه السوريون يميلون إلى الحل السلمي وإلى الحوار من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة.